نقولا ناصيف
مثّل الحوار الأميركي ــــ السوري يوم الخميس الفائت (3 أيار) في منتجع شرم الشيخ، وإن مقتضباً في الوقت وجدول الأعمال، جانباً من رهان كانت تتوقعه دمشق، وأسرّ به أكثر من مسؤول سوري إلى شخصيات لبنانية زارت العاصمة السورية في أوقات متفاوتة في الأسابيع الأخيرة. وقبل أن تلتقي وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس نظيرها السوري وليد المعلم في خلوة على هامش المؤتمر الإقليمي والدولي حول العراق، كان بعض مسؤولي الدبلوماسية السورية يجزمون بحصول اللقاء.
ولخص هؤلاء المسؤولون مبررات الحوار الذي بات، في رأيهم، أكثر إلحاحاً من السابق بالنسبة إلى الطرفين على السواء، في ملاحظتين:
أولاهما، اعتقـــــاد دمشـــق بأن واشنطن غير قادرة على الخروج من مأزقها في العراق من دون حوار جدّي مع سوريا وإيران، نظراً إلى تأثيرهما في الداخل العراقي على مستويي الاستقرار الأمني والعملية السياسية. وتبعاً لبضعة مواقف كان مسؤولون سوريون، وأبرزهم المعلم، قد كاشفوا نظراءهم العراقيين بها، فإن استقرار العراق سياسي مقدار ما هو أمني. الأمر الذي يحّتم ضرورة إجراء مراجعة للسياسة التي تتّبعها حكومة نوري المالكي على نحو يصحّح توزيع السلطة وتقاسمها في النطاقين السياسي والطائفي، ويمنح العراقيين السنّة دوراً أوسع، ويجتذب العراقيين البعثيين إلى السلطة الجديدة بعد وقف مطارداتهم مذ بدأت خطة اجتثاث حزب البعث، وحلّ الجيش العراقي في نيسان 2003.
بذلك يأتي الحوار الأميركي ــــ السوري ليزاوج الحل لمشكلة العراق، دامجاً الجانب الأمني في الجانب السياسي.
ثانيتهما، توصّل المسؤولين السوريين إلى خلاصة مفادها أن ذروة التضييق الذي يمكن أن تمارسه واشنطن على نظام الرئيس بشار الأسد قد استنفد إمكاناته ومدده وأهدافه، ما دام ليس في وارد الأميركيين خوض حرب مباشرة مع سوريا لإسقاط نظامها. وهو أمر يضعه المسؤولون السوريون في سياق سلسلة ضغوط متدرجة بدأت عام 2002 مع طرح مشروع قانون محاسبة سوريا. وبعد مناقشة طويلة جمّدته الإدارة الأميركية ثم شجّعت إقراره بعد إخفاق وزير الخارجية الأميركي كولن باول، في زيارته لدمشق يوم 3 أيار 2003، في إقناع المسؤولين السوريين باتخاذ سلسلة إجراءات تساعد على تحقيق الاستقرار في العراق على أثر احتلاله. فكان أن أقرّه الكونغرس الأميركي في تشرين الثاني 2003، ثم وقعه بوش في كانون الأول، قبل أن يضعه موضع التنفيذ، بعد أشهر، في أيار 2004، مع تصاعد وتيرة تدهور علاقات البلدين.
وقد تكون ثمة مفارقة في أن باول اجتمع بنظيره السوري آنذاك فاروق الشرع في تاريخ مماثل لاجتماع رايس بالمعلم، في 3 أيار. خرج باول والشرع عام 2003 بانطباعات سلبية متبادلة بيّنت أن كلاً من واشنطن ودمشق على طرفي نقيض من ثلاثة ملفات ساخنة، هي العراق وحركة حماس وحزب الله. وخرجت رايس والمعلم قبل يومين بتحفظ ينبئ بإمكان فتح الأبواب الموصدة بين البلدين منذ آخر زيارة لمسؤول أميركي رفيع المستوى للعاصمة السورية، بعد باول، هو نائب وزير الخارجية ريتشارد ارميتاج في 2 كانون الثاني 2005.
مهّد قانون محاسبة سوريا للقرار 1559، ثم أتت بعده سلسلة قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالمحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولاً إلى القرار 1701 الذي يحاول الأميركيون ــــ تقول دمشق ــــ جعله معبراً إلى مراقبة متشددة للحدود اللبنانية ـــــ السورية، توطئة لنشر جنود دوليين على الجانب اللبناني منها. وهو ما أبرزه البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن، في 18 نيسان الفائت، عندما تحدث عن تماد في تهريب أسلحة إلى لبنان على نحو ينتهك القرار 1701.
واستناداً إلى معلومات مستقاة من مصادر دبلوماسية تتحدث عنها دمشق، فإن الإسهاب في الكلام عن مراقبة دولية متشددة للحدود اللبنانية ــــ السورية من خلال فريق دولي، بات يصطدم بعراقيل من شأنها أن تصرف النظر عن أي إجراء قريب في هذا الصدد. وبحسب ما تورده المعلومات الدبلوماسية تلك، فإن المهمة المنوطة بالفريق الألماني، في إطار القوات الدولية المكلفة تنفيذ القرار 1701، لم تسفر حتى الآن على الأقل، عن نتيجة مثمرة.
على أن مقاربة دمشق حوارها المقتضب مع واشنطن تقترن هي أيضاً بعوامل إضافية، منها:
ـ سواء تحفظت عن إبراز نتائج الاجتماع الأول مع المعلم، أو قلّلت من أهمية إدراجه في إطار إعادة بناء العلاقات الأميركية ــــ السورية، او أبرزت البند الوحيد الذي تناوله الاجتماع فقد مثلت رايس في هذا الحوار رأس الدبلوماسية الأميركية وقرارها على أعلى مستوى في بدء حوار ثنائي مع سوريا بلا وسطاء. الأمر الذي لم يُتح لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي التي زارت دمشق في 4 نيسان الفائت والتقت الرئيس السوري، وقابلها البيت الأبيض بانتقادات سلبية وحادة بسبب توقيت انفتاحها على النظام السوري ــــ لم يتح لها أن تضفي على محادثتها مع الأسد قوة القرار التنفيذي والتمثيلي للإدارة الأميركية. إلا أن اجتماع شرم الشيخ، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي لدمشق، يفتح باب التكهن على إمكانات صالحة لحوار قد يكون مشروطاً بين البلدين، في مرحلة أولى على الأقل. ولا يفترض بالضرورة الاتفاق على التوقيت وجدول الأعمال.
ـ بعدما خُيّرت دمشق في العامين الماضيين بين أحد مصيرين، عراقي بإسقاط النظام بالقوة على غرار ما حصل في العراق أو ليبي بالرضوخ لواشنطن والتخلي عن كل خياراتها السابقة، يأتي الحوار الجديد لينهي، في الظاهر، العزل الأميركي لسوريا. وكان أول مؤشراته الاجتماع الأول لدول جوار العراق، في 10 آذار المنصرم، من غير أن ينتهي بخلوة أميركية ــــ سورية.
ـ لم يتوهم كل من رايس والمعلم أن الآخر سيطرح موضوع لبنان على البحث في الخلوة القصيرة المحصورة ببرنامج المؤتمر الإقليمي والدولي حول العراق، وذلك انطلاقاً من أن كلاً من البلدين يعلن أنه لا يتدخّل في الشؤون اللبنانية. لكنهما يلتقيان علناً أيضاً على أن كلاً منهما يدعم فريقاً ضد الآخر في لبنان: رايس مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، والمعلم مع المعارضة. بذلك سيكونان بطريقة ما وجهاً لوجه أمام الاستحقاق الرئاسي.