وفيق قانصوه

وئام وهّاب: أمثّل مشروعاً درزيّاً وأشكّل ندّاً لوليد جنبلاط في الموقف لا في الحجم

استفاق أهالي قرى الجرد في قضاء عاليه في 15 نيسان الفائت على انتشار أمني كثيف للجيش وقوى الأمن الداخلي. المناسبة: جولة في المنطقة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي تردد أنه بات ليلته في منزل النائب فيصل الصايغ بسبب طول الطريق من المختارة وانكشافها أمنياً، علماً أن رئيس «اللقاء الديموقراطي»، منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في تشرين الأول 2004 والجرائم التي تلتها، قنّن من حركته الى حد كبير، فمكث في المختارة شهوراً، وأُحيطت زياراته لبيروت بالكتمان.
في نهايتيْ الأسبوعين التاليين كرّر جنبلاط جولته في قرى في الجبل، وأطلق مواقف من الأزمة السياسية التي يعيشها البلد. إلا أنه بدا، الى حد كبير، أن الهدف الأساس للحركة المفاجئة لسيد المختارة «داخلي» متعلق بشؤون الطائفة الدرزية وشجونها. إذ جاءت هذه الجولات بعد اشتباكات متنقلة شهدتها قرى وبلدات، على امتداد انتشار الطائفة في مناطق حاصبيا وراشيا والشوف وعاليه والمتن، لتدقّ جرس الإنذار من «نقل الفتنة الى الجبل»، وهي الفتنة التي طالما حذّر خصوم سيد المختارة من نيّته إشعالها في مناطق أخرى وبين مذاهب مختلفة، فإذا بها تذر بقرنيها في عرينه، وهو أمر كان قد بدا، من التاريخ الحديث للطائفة، أن لا عودة اليه مجدداً.
ومعلوم أن الثنائية اليزبكية ــ الجنبلاطية تقاسمت زعامة الطائفة الدرزية منذ القرن الثامن عشر، بعدما شكّلت معركة عين دارة عام 1711 نهاية مرحلة الصراع القيسي ــ اليمني بانتصار ساحق للقيسية وهروب مَن بقي من اليمنية الى جبل حوران الذي عُرف في ما بعد بجبل الدروز. لكن القيسية سرعان ما انقلبت على نفسها ليندلع الصراع الجنبلاطي ــ اليزبكي نسبة الى الشيخين علي جنبلاط وعبد السلام يزبك العماد، وهو الصراع الذي انقسم حوله سكان الجبل بكل طوائفهم، إلا أنه بات منذ القرن التاسع عشر أكثر حدّة داخل الطائفة الدرزية نفسها التي شهدت انقساماً عمودياً خلف عائلتيْ جنبلاط وأرسلان اللتين تقاسمتا النفوذ على امتداد الجمهورية اللبنانية الأولى، مع أرجحية واضحة للزعيم الراحل كمال جنبلاط بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 1975. غير أن الطائفة بلغت أوج توحّدها إبان حرب الجبل عام 1983 ـــ 1984 خلف وريث الزعامة الجنبلاطية، فأعطت وليد جنبلاط دوراً محورياً في المعادلة اللبنانية، على حساب الشطر الأرسلاني من المعادلة الدرزية.
وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، و«الانقلاب الكبير» على سوريا الذي أعقبه، والذي أدّى فيه وليد جنبلاط الدور الأبرز بلا منازع، وصولاً الى الانسحاب السوري من لبنان في 26 نيسان 2005، دبّت الحياة، فجأة، في جسد الانقسام داخل الطائفة الدرزية، وأدى الاصطفاف السياسي الجديد الى نشوء مشيختين للعقل، في استعادة للانقسام الذي ساد في خمسينيات القرن الماضي في هذا المنصب. غير أن اللافت هذه المرة كان بروز اسم جديد من خارج المعادلة الجنبلاطية ــ الأرسلانية على ساحة هذا الانقسام: وئام وهّاب الذي دخل أنصاره في اشتباكات عدة مع أنصار جنبلاط أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، أثارت أجواء من التشنّج في قرى الجبل.
أوساط في الحزب التقدمي الاشتركي تؤكد ان «استفحال الاستفزازات من قبل جهات معينة» أملت على النائب جنبلاط القيام بجولاته لتهدئة النفوس والتحذير من مخاطر الفتنة «مقدّماً المصلحة العامة على الاعتبارات الأمنية الشخصية». وتتهم الأوساط هذه «الجهات» بمحاولة توريط الدروز في صدام دامٍ، وخصوصاً بين الحزب التقدمي الاشتراكي «والقوى ذات الحيثية الشعبية والتاريخية كالأمير طلال أرسلان الذي يقدّر مخاطر ذلك».
هذه «الجهات التي تستخدمها الاستخبارات السورية وحزب الله»، والتي لم تشأ الأوساط المذكورة تسميتها، تشير في شكل واضح الى وهّاب.
ينتفض الوزير السابق، في مكتبه الذي تعلوه صورة له مع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، لدى سماعه كلمة «استخدام». «لست طارئاً على الطائفة ولا أستعملها مشروعاً تجارياً أو للاستخدام السياسي»، يقول، مشيراً الى أن «خطيئتي التي لا تغتفر أنني عُيّنت وزيراً من دون موافقة الإقطاع، وهذا ليس أمراً تفصيلياً في الطائفة، ويخيف الإقطاع المهيمن».
رئيس «تيار التوحيد اللبناني» الذي شُكّل قبل ثمانية أشهر «من مجموعة من الناس ترفض معادلة الإقطاع السياسي»، واستقطب «حوالى ألف منتسب هم جزء من عائلات ومن معادلات قرى الجبل، ويضاهي عددهم عدد المنتسبين الى أحزاب عريقة»، يعتبر أنه كسر «معادلة عمرها ألف سنة في الطائفة الدرزية». وتحلو له هنا المقارنة بين تياره و«حزب الله»، معتبراً أن «ظروف نشأتنا أفضل من ظروف نشأتهم عام 1982، فانظر أين وصلوا». ويوضح: «أنا أمثّل فكرة أو مشروعاً بات هناك من يتحدث باسمه بين الدروز، وهذا ليس بالأمر الهيّن»، معتبراً في صيغة أقرب الى التأكيد أن «وليد (جنبلاط) سيكون آخر الإقطاعيين في الدروز لأن المجتمع يتطور والأمور لم تعد كما في السابق».
ولكن أليس الأرسلانيون جزءاً من «المعادلة الإقطاعية الحاكمة درزياً»؟ يستدرك قائلاً: «المير طلال (أرسلان) ابن عائلة عملت في السياسة ولم تمارس الإقطاع، ولم تحكم الناس وتستعبدهم. هناك فارق بين طموحات الرجلين. طلال يريد أن يكون موجوداً كما غيره. أما وليد (جنبلاط) فيريد السيطرة المطلقة ومنع غيره من العمل»، مشيراً الى أنه لا أحد «يمكنه اليوم إقامة نشاط رياضي أو معرض فني في الجبل من دون موافقة المختارة. نحن مع حرية العمل السياسي للجميع حتى للقوات اللبنانية. وعلى الدولة أن تكون على مسافة واحدة من الجميع، وليست في تصرف طرف واحد كما هي الحال اليوم». ولذلك يعزو الإشكالات المتنقلة في المناطق الدرزية الى «محاولة إلغاء الصوت الدرزي الآخر. حاولوا إيهام الرأي العام أننا ظاهرة صوتية، لكن ما حصل أثبت لهم أن المعارضة الدرزية لا يمكن إلغاؤها».
لا ينفي وهّاب «أنني كنت، ولا أزال، صديقاً للسوريين الذين لم أتعاطَ معهم بخساسة، ولم يغيّر خروجهم من لبنان قناعاتي». ويزيد: «روّجوا أنني صنيعة الأجهزة. الأجهزة في يدهم اليوم، فماذا اكتشفوا؟ نغمتهم اليوم أنني أريد أن أخرّب الطائفة. مخرّبو الطائفة معروفون: هم من يبقونها في فقرها ويمنعون عنها المؤسسات والديموقراطية لتبقى في حاجة إليهم. كيف أخرّب الجبل وأهلي وأولادي يعيشون فيه، فيما أولادهم في باريس؟». أما اتهامه بالعمل لمصلحة «حزب الله» من أجل «تخريب الجبل»، فـ«مردود عليهم، وليتهم كانوا حريصين على مصلحة الجبل ولبنان كحرص السيد حسن (نصر الله) على ذلك، وهو الذي أطفأ نار كثير من الفتن التي حاولوا إشعالها».
من أين يموّل رئيس «تيار التوحيد اللبناني» حركة أنصاره؟ من السوريين أو الإيرانيين أو «حزب الله»؟ يجيب: «الجميع يعرف مصدر أموالي ولجنة التحقيق الدولية (في جريمة اغتيال الحريري) دقّقت في حساباتي. استدنت من مصرف معروف مليوني دولار واشتغلت بالسياسة». ولكن مقابل أية ضمانات؟ «عشان شبوبيتي»، يردّ مبتسماً، ونافياً ما «يروّج ضدي، فمعروف أن السوريين لا يدفعون، أما الإيرانيون فقد طلبت منهم، ومن سفارات دول أخرى، مساعدات لبناء مؤسسات صحية وتربوية واجتماعية، كما تفعل مؤسسة رينيه معوض، وعندما يفعلون سأعلن ذلك وأضع لوحة شكر على باب المؤسسة»، لينهي بسؤال: «ماذا عن وليد جنبلاط الذي يوزّع 1.5 مليون دولار شهرياً؟ ما ننفقه لا يشكّل نسبة 1 أو 2 في المئة مما ينفقه».
هل يطرح وهّاب نفسه ندّاً لوليد جنبلاط؟ يجيب بسرعة: «في الموقف نعم ولكن ليس في الحجم. نحن لا نملك الدولة ولا الخدمات ولا الإرث التاريخي. لكنني بما فعلت قلت للدروز إنه لم يُولد أحد سيداً ولا الآخرون ولدوا عبيداً، وأن العالم تغيّر، ولا يمكنهم البقاء كما هم».