نقولا ناصيف
رسمت حملة حزب الله على خطة البنود السبعة التي أقرّها مجلس الوزراء، في جلسة 27 تموز الفائت، أكثر من علامة استفهام حيال توقيتها ومضمونها. وقد لا يكونان بعيدين عن انتخابات رئاسة الجمهورية. ما أن تُطوى مشكلة بين قوى 14 آذار والمعارضة حتى تُفتح الأبواب على أخرى نظراً لاستحالة توصلهما إلى حل، أي حل، لأي مشكلة. بعد استقالة الوزراء الشيعة والمحكمة الدولية وحكومة الوحدة الوطنية، جاء دور مشكلتين إضافيتين ومتلازمتين هما النصاب الدستوري لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية وخطة البنود السبعة. وشأن سواهما من الأزمات، تضع هاتان المشكلتان طرفي النزاع وجهاً لوجه عند مفترق تصعيد لا عودة منه. كلاهما معني بنصاب جلسة انتخاب الرئيس الجديد وبتحريك خطة البنود السبعة. على الأقل بالنسبة إلى قوى 14 آذار التي لا تزال تمسك بزمام المبادرة والمناورة، الساعية إلى نصاب ـــ كما تفسّره هي ـــ يوصل مرشحاً من صفوفها إلى الرئاسة، تكون خطة البنود السبعة برنامجه. والمقصود بذلك وضع سلاح حزب الله على طاولة البحث لمعالجته معالجة نهائية خارج نطاق الاشتباك السياسي والعسكري الإقليمي.
وفيما تصرّ الغالبية على التمسّك بخطة البنود السبعة، وتراها الأساس الذي بُني عليه القرار 1701 من غير أن يتخطاها أو يجمّدها أو حتى يلغيها، وتجزم بأن الوزراء الشيعة الخمسة أيدّوها بلا تردّد، بالإضافة إلى صدورها عن مجلس الوزراء بالإجماع، فإن لوزراء الفريق الشيعي وجهة نظر مختلفة ترتكز على المعطيات الآتية:
1 ـــــــ مذ بدأ الاعتداء الإسرائيلي على جنوب لبنان في 12 تموز، وفي الأيام التي سبقت انعقاد مؤتمر روما في 26 منه، اضطلع رئيس المجلس نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة بدوري المفاوضَين مع المجتمع الدولي بغية التوصل إلى وقف هذا الهجوم الإسرائيلي. وكانت مجمل الأفكار المتداولة في مجلس الوزراء وخارجه، وبين بري والسنيورة، وبينهما وبين الموفدين الدوليين، وبين السنيورة وحزب الله، تشدّد على الوسائل الكفيلة بإعلان وقف للنار، وانسحاب شامل للجيش الإسرائيلي إلى وراء الخط الأزرق، ورفض تسليم الأسيرين الإسرائيليين خارج نطاق صفقة متكاملة لتبادل الأسرى لدى كل من حزب الله والدولة العبرية. تالياً، ما كان سلّم به بري وحزب الله حينذاك هو تقديم الدعم الذي تطلبه حكومة السنيورة في المفاوضات التي أدارتها مع المجتمع الدولي. وكان رئيس المجلس يضطلع في الوقت نفسه، كفريق وكمحاور، بدور مواز ومماثل في أهميته، ويقصده الموفدون الدوليون والسفراء المعتمدون في لبنان للغاية نفسها. وهي سحب الذرائع التي تسلحت بها إسرائيل للهجوم على لبنان. وكان المطلوب إخراج مسلحي الحزب من الجنوب. غير أن مجلس الوزراء لم يتخذ قراره بإرسال الجيش إلى هذه المنطقة إلا في 7 آب، بعد أكثر من أسبوع على خطة البنود السبعة.
2 ـــــــ لم يكن مجلس الوزراء قد توصّل قبل ذهاب السنيورة إلى مؤتمر روما، في 26 تموز، إلى صيغة متكاملة لكل الأفكار والمقترحات التي أحاطت بجهود بري والسنيورة من أجل التوصل إلى وقف للنار وسحب ذرائع الاعتداء. وكانت المطالب الأميركية والأوروبية التي تصل إلى رئيسي المجلس والحكومة تركز على ضرورة توفير الاساس المناسب سياسياً وعسكرياً لوقف النار. واستطراداً لم يكن ثمة وجود لخطة البنود السبعة قبل سفر السنيورة إلى العاصمة الإيطالية. غير أنه أعلن الخطة من هناك تحت وطأة محادثات رآها الفريق الشيعي ضغوطاً مباشرة لحمل السنيورة على التقدّم من الأميركيين والأوروبيين بتعهّدات مسبقة تتصل بوضع حدّ نهائي لسلاح حزب الله. وكان الحزب قد سمع بعض هذه التعهّدات من رئيس الحكومة قبل مؤتمر روما، كما سمعها رئيس المجلس من زائريه الموفدين الدوليين إذ قيل له إنه لا وقف للنار قبل أن ينتفي دافع الهجوم الإسرائيلي على لبنان، وهو تجريد حزب الله من سلاحه. ورأت المواقف تلك أن المطلوب حل شامل. وفي جلسة مجلس الوزراء، في 27 تموز، غداة عودته من العاصمة الإيطالية، أصر السنيورة على أن يُقرّ المجلس خطة البنود السبعة بالإجماع. تحفّظ الوزراء الشيعة، فلوّح بوقف التفاوض مع المجتمع الدولي ما لم يحصل على هذا الإجماع، وعزم على مغادرة الجلسة. تدخّل رئيس الجمهورية إميل لحود الذي كان يترأس الجلسة، وسُوّي الأمر بناء على اقتراح لوزير التربية خالد قباني قضى بأن يأخذ مجلس الوزراء علماً بخطة البنود السبعة ويصار إلى مناقشتها بنداً بنداً في وقت لاحق، وتُدوّن تحفظات الوزراء الشيعة في محضر الجلسة على أنها جزء لا يتجزأ منه. في المقابل لا يصار إلى التصويت على خطة البنود السبعة ما دام التوافق عليها قد اقتصر على أخذ العلم بها. وبدا بالنسبة إلى الوزراء الشيعة أن المطلوب وحدة موقف لبناني رسمي تسهّل التفاوض مع المجتمع الدولي لتحقيق وقف النار.
كان في صلب الخلاف الذي نشب بين السنيورة والوزراء الشيعة في جلسة 27 تموز، أن رئيس الحكومة طرح الخطة في مؤتمر روما من غير أن يعود بوقف للنار ثمناً للتعهّدات التي التزمها حيال المشاركين في هذا المؤتمر، وكانت على رأسهم وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، ولا تحقَّق وقف النار هذا بعد الإعلان عن الاتفاق في مجلس الوزراء على الخطة. وبحسب تقويم الوزراء الشيعة، أراد السنيورة من خطة البنود السبعة جعلها مادة تفاوض تؤول إلى إقناع إسرائيل بوقف للنار لقاء تنازلات مهمة يقدّمها لبنان، أهمها البندان الرابع والسادس اللذان يشيران ضمناً إلى تجريد حزب الله من سلاحه خلال بسط الحكومة اللبنانية سلطتها على كل أراضيها، وحصر السلاح بها وحدها، والعودة إلى اتفاق الهدنة المعقود عام 1949. ولم يتقرّر وقف النار إلا بعد أكثر من أسبوعين على إعلان خطة البنود السبعة في 13 آب تحت وطأة جحيم الحرب. وإلى اليوم يقع استقرار الوضع في الجنوب في بند وقف العمليات القتالية، لا وقف النار.
3 ـــــــ يعتقد الفريق الشيعي أن خطة البنود السبعة تقادمت وفقدت وظيفتها مع صدور القرار 1701 في 11 آب الفائت. ومع أن القرار يدعو في أكثر من فقرة إلى تنفيذ أحكام قرارين سابقين لمجلس الأمن هما 1559 و1680، القائلين بنزع سلاح الميليشيات والجماعات المسلحة وحصر السلاح في يد الشرعية اللبنانية، فإن الفريق الشيعي يرى في القرار 1701 المرجعية القانونية الوحيدة التي تحدّد معالجة الوضع الأمني في الجنوب، بعدما أدمجت أجزاء من الخطة في قرار مجلس الأمن كوقف النار وتبادل الأسرى والانسحاب الإسرائيلي الشامل من الجنوب وبسط الشرعية اللبنانية سيادتها على أراضيها والمطالبة بوضع مصير مزارع شبعا في عهدة الأمم المتحدة، فيما الجزء الآخر من الخطة، وتحديداً ما يتعلق بسلاح المقاومة، لا يزال مثار بحث بين الأفرقاء اللبنانيين. وفي أبسط الأحوال لم يتحدّث القرار 1701 في معرض تحديد آلية نشر الجيش والقوة الدولية في الجنوب عن تجريد حزب الله من سلاحه، بل عن منع أي سلاح غير شرعي في هذه المنطقة.
خلاصة موقف حزب الله أنه ضد خطة البنود السبعة، ومع القرار 1701.