عرفات حجازي
لم يتوقع أحد أن يخرج مؤتمر شرم الشيخ بمفاجآت مدوية في الملفات الساخنة في المنطقة، اذ ان التحركات والاتصالات التي سبقته لم تكن توحي باحتمال الوصول إلى تطورات استثنائية في ما يتعلق بالعراق والوضع الإقليمي، فوثيقة العهد التي أقرت في المؤتمر لم تأت بجديد، وما دعت إليه هو مطلب كل العراقيين ودول الجوار، لكن المشكلة أن تنفيذه لن يتحقق إلا عبر العراقيين وتعاون دول الجوار وتغيير السياسة الأميركية في تعاملها مع دول المنطقة.
ومع أن المؤتمر خصص تحديداً للعراق، إلا أن هذا الملف كاد أن يكون مهملاً وباهتاً، فالأضواء فيه تحولت إلى اللقاءات بين الأميركيين والسوريين والإيرانيين، بحيث تحول المؤتمر إلى بدايات حوار صعب بين هذه الأطراف الثلاثة بعدما اضطر الرئيس الاميركي جورج بوش، تحت وطأة المأزق العراقي، إلى إدخال تعديلات على سياساته في المنطقة، مستجيباً بشكل أو آخر إلى توصيات لجنة بيكر ــ هاملتون التي أقصت الخيارات العسكرية لمصلحة الانفتاح والتحاور مع إيران وسوريا للحصول على تعاونهما في العراق، في مقابل إشراكهما في الحلول والتسويات لأزمة العراق ودول المنطقة.
وفي قراءة موضوعية لما انتهت إليه الاجتماعات في شرم الشيخ والكولسات التي جرت على هامشه، يمكن تسجيل الخلاصات والاستنتاجات الآتية في ما خص لبنان الذي تصدر ملفه واجهة اللقاءات التي جرت بعيداً عن الأضواء بين المؤتمرين:
أولاً: اللقاء الذي جمع بين وزيري الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس والسوري وليد المعلم أثار الكثير من المخاوف والهواجس لدى فريق 14 آذار رغم أن الوزيرة الأميركية حرصت على الاتصال بكل من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط وطمأنتهما إلى أنه لا نية لدى الولايات المتحدة بمقايضة أي مساعدة سورية وإيرانية لتحسين الأوضاع في العراق بمطالبهما في لبنان. ومع ذلك فإن هذه التطمينات لم تُزل الشكوك لدى فريق السلطة من إمكان الانتقال بالمحادثات السورية ــ الأميركية إلى مرحلة المفاوضات، لا سيما أن أميركا هي التي تحتاج إلى إيران وسوريا للخروج من مأزقها العراقي، وبديهي أن يعيش فريق 14 آذار حالة قلق، خصوصاً أن المعلم أكد أن لبنان لم يكن في صلب المحادثات مع رايس، من دون أن يجزم أحد إن كان استبعاد الملف اللبناني عن جدول أعمال اللقاء أمراً إيجابياً أو سلبياً، وإن كان الكل يسلم بأن الحوار الأميركي ــــــ السوري طريق طويل ومتعرج، وهو ما ينسحب أيضاً على الحوار الأميركي ـــــ الإيراني.
ثانياً: على عكس التوقعات التي سادت المؤتمر فإنه اختتم بتصعيد إيراني ضد الولايات المتحدة، فيما كان المراقبون يترقبون حتى اللحظة الأخيرة لقاءً بين رايس ونظيرها الايراني منوشهر متكي، استعيض عنه بلقاء على مستوى الخبراء، رأى فيه بعض المحللين بداية لفتح الطريق نحو التواصل على مستويات أرفع عندما تتوافر المناخات والظروف التي تسمح بإتمامه، وبينها إطلاق الدبلوماسيين الإيرانيين الذين اعتقلوا في أربيل، والتسليم بأن أي لقاء بين الجانبين يجب أن يتناول إلى جانب الملف العراقي كل ملفات المنطقة، وبينها الملف النووي الايراني ووضع أسس لتفاهمات على هذه القضايا مجتمعة.
ثالثاً: إعلان متكي بعد لقائه نظيره السعودي سعود الفيصل أن البلدين سيتحركان قريباً على خط الأزمة اللبنانية لترتيب الوصول إلى تسويات للمشاكل العالقة. ولا يستبعد أن يبدأ السفيران الإيراني والسعودي في بيروت لقاءات مع أطراف الأزمة لتهيئة الأجواء لمبادرة مشتركة تنضم إليها سوريا، اذ أعلن المعلم من شرم الشيخ أنه دعا الأمير سعود الفيصل إلى زيارة سوريا لتنسيق الجهود لحل الأزمة اللبنانية، في وقت حضّ فيه منسق الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا دمشق على استخدام نفوذها للتوافق على مسألتي المحكمة والحكومة، مشجعاً على بذل جهد سوري ــــــ سعودي لتشجيع الأطراف اللبنانية على استئناف الحوار.
رابعاً: اللقاءات التي عقدها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مع وزراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومع وزيري خارجية السعودية وألمانيا، مبدياً رغبته في بذل جهود إضافية قبل أن يضع مجلس الأمن يده على ملف المحكمة وإقرارها تحت الفصل السابع، مشيراً إلى أنه ما زال ضرورياً العمل على توفير إجماع لبناني على إقرار ها ضمن الآليات الدستورية، رغم الاقتناع بأن الجهود التي بذلت في هذا السبيل وصلت إلى حائط مسدود، مع ذلك فالرجل يعتزم ـــ كما أبلغ رايس ـــ مواصلة مسعاه لأخذ الإجماع اللبناني على المحكمة حتى لو اضطر إلى زيارة لبنان مرّة أخرى والاتصال بالرئيس بشار الأسد، قبل أن يضع تقريره بين أيدي مجلس الأمن، حيث سيحتاج الأمر إلى توافق بين الدول الخمس الكبرى، وهو أمر معقد ويحتاج إلى تفاهمات تراعي لعبة المصالح بين الدول.
على كلٍّ يجمع المراقبون على أن المنطقة دخلت فعلاً مرحلة التحولات التي ما زالت غامضة حتى الآن، وكل تطور فيها سيترك انعكاساته على الوضع اللبناني برمته.