عرفات حجازي
يجمع أفرقاء النزاع في لبنان على أن الاستحقاق الرئاسي سيكون محطة مفصلية في الازمة السياسية الراهنة والتي تشكل معركة الرئاسة جزءاً من مكوناتها. فإما أن يكون هذا الاستحقاق بداية لتسوية تفتح الأفق أمام مستقبل جديد واعد، وإما ان يكون الخطوة الاخيرة للدخول في المجهول.
واذا كانت الأمور تتجه الى مزيد من التشنج، فهذا لا يعدو أن يكون من مستلزمات تحسين الشروط وتجميع الاوراق استعداداً للسباق الرئاسي، إذ من مسلّمات الحياة السياسية في لبنان عدم الاستمرار في ازمة معقدة ومتشابكة مع ازمات المنطقة الى ما لا نهاية، لأنه لا بد من أن يسلّم الجميع بأن الحوار والتفاهم هما الممر الإجباري لعبور الاستحقاق الرئاسي.
وما يشجع على مقاربة هذا الاستحقاق بهدوء، أن القوى الاساسية والناخبة في صفوف الموالين والمعارضين، واللاعبين الاساسيين اقليميين ودوليين، يبعثون بإشارات مشجعة للوصول الى تسوية والتفاهم على رئيس توافقي يضع حداً للأزمات. ويتوقف المتابعون لتطورات الوضع اللبناني امام حكمة البطريرك نصرالله صفير ومسارعته الى حسم الجدل حول نصاب جلسة انتخاب الرئيس وتحذيره من تجاوز الدستور والأعراف، وتأكيده ان نصاب الثلثين سيكون عامل استقرار للمؤسسات الدستورية ودافعاً لتطوير الحياة الديموقراطية، وتشجيعه القوى السياسية على التوافق لأن الوصول الى الفراغ الرئاسي وقيام حكومتين سيعطل دور الموارنة في المعادلة اللبنانية ويطيل من فترة ضياعهم.
وهذه المواقف لاقاها رئيس المجلس النيابي بكثير من الارتياح، معتبراً انها تفتح الطريق امام التوافق، ومؤكداً أن الكلمة النهائية في الاستحقاق تعود للبطريرك، معترفاً بأن مواقف البطريرك المعتدلة تعطيه زخماً واندفاعاً في خيار التسوية.
ولا يتردد الرئيس نبيه بري في القول امام زواره إنه سيمشي خلف البطريرك في هذا الاتجاه كما مشى وراءه في قانون الانتخابات على اساس القضاء، وهو على تواصل معه لتنسيق الخطوات لاختيار رئيس توافقي تتوافر عنده شروط «الحكَم» والوقوف على مسافة واحدة من الجميع.
ويعترف بري بأنه حذّر بعض السفراء الاجانب من مغبة الدخول على خط الرئاسة الاولى والتلاعب بهذا الموضوع، لأنه موضوع وفاقي يخص اللبنانيين. وإذ يؤكد أن البلد محصن ضد الفتنة، لا ينفي وجود تصعيد في المناخ الداخلي، وستزداد عملية شد الحبال ولعبة عض الاصابع لأن المرحلة مزدحمة بملفات ساخنة بدءاً بالمحكمة الدولية مروراً بملف التعويضات وانتهاء بموضوع النقاط السبع.
اما في موضوع الحكومة، فيتوقف بري طويلاً امام الممارسات الكيدية وتجاوز القوانين والإخلال بروح الميثاق، ويعدّد أمام زواره القرارات والممارسات والتعيينات التي تجري على حساب طائفة معينة وكأن هناك من يريد استحضار ظاهرة عزل الكتائب عام 76، وبدل أن تعمل الحكومة الحالية على صون التوازنات نراها تذهب بعيداً في التعامل مع المأزق بدل أن تجتهد في ابتكار الصيغ لانتشال البلد مما هو فيه، مشدداً على انه لن يقبل بأي تسوية سياسية اذا لم يكن سقفها اعادة النظر بكل ما اتُّخذ من قرارات سواء في الحكومة او في باقي المؤسسات والادارات الرسمية.
وكرر بري موقفه من المحكمة والصيغ التي طرحها لإقرارها بإجماع وطني بعد ادخال التعديلات التي نتفق عليها، لكنهم رفضوا ذلك، «وما داموا يقولون الآن إن المحكمة باتت وراءنا فما الذي يمنعهم من السير بحكومة الوحدة الوطنية؟».
وعن مبادرة الرئيس السنيورة قال: «أنا منفتح على مبادرات الآخرين ومعلوماتي أنه طرح المبادرة على مساعد الامين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون وعلى السفير السعودي، لكن شخصياً لم يصلني اي شيء مكتوب. فإذا كان طرحه مشروطاً ببرنامج سياسي يجب التوافق عليه مسبقاً فليستقل ونتفاهم على حكومة ببرنامج سياسي جديد.