طارق ترشيشي
أما وقد فُتح ملف الاستحقاق الرئاسي على وقع انشغال الأمم المتحدة بملف المحكمة ذات الطابع الدولي، فإن السؤال المطروح، في ضوء الأزمة المستحكمة بين الأكثرية والمعارضة، هو: هل تجري الانتخابات الرئاسية في موعدها أم لا؟
بعض المتابعين يقول، في هذا السياق، إن مؤتمر شرم الشيخ الأخير الذي خصص للشأن العراقي ورافقته لقاءات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وكل من سوريا وايران على طاولة المؤتمرين او على هامشها، إذا انتهى الى سكة حلول بعد شهر من الآن، فإنه سينعكس على لبنان اتفاقاً داخلياً على رئيس وفاقي، فيُطلب من القوى السياسية في الموالاة والمعارضة اختيار هذا الرئيس، بحيث يكون قادراً على تعزيز وحدة البلاد والذهاب بها الى انتخابات نيابية مبكرة تؤسس لحياة سياسية جديدة. أما إذا لم ينته المؤتمر الى التسوية المطلوبة بين واشنطن وكل من دمشق وطهران فإن المنطقة ستذهب الى اشتعال وفوضى والى مرحلة شبيهة بما حصل عام 1982 عندما اجتاحت إسرائيل لبنان ووصلت الى بيروت، على حد قول المتابعين أنفسهم الذين يؤكدون أن لا أحد يمكنه، حتى الآن، تأكيد او نفي ما اذا كان مؤتمر شرم الشيخ قد انتهى الى اتفاق على تسويات وحلول ام لا. لكن ذلك لن يمنع أطراف الأزمة اللبنانية من التصعيد في هذا الملف والتهدئة في ذاك، وذلك كانعكاس لواقع التفاوض الإقليمي والدولي الجاري، ونظراً لأن النزاع الداخلي بين الأكثرية والمعارضة بات جزءاً لا يتجزأ من النزاع الدائر في المنطقة بين المشروع الأميركي والقوى الممانعة له.
وإذا كانت الأكثرية تتصرف الآن على أساس أن الحكومة والمحكمة أصبحتا وراءها وأن الأولوية باتت انتخابات رئاسة الجمهورية، فإن موقفها هذا يعني الآتي:
أولاً: إن إقرار المحكمة في مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة او من دونه صار مؤكداً لديها، ولم يعد وارداً حصول اتفاق مع المعارضة على إقرارها في المؤسسات الدستورية اللبنانية.
ثانياً: لم يعد هناك من مجال للبحث مع المعارضة في تأليف حكومة وحدة وطنية لن يتعدى عمرها 6 أشهر، لذا ترى الأكثرية أن لا ضير من استمرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الى حين انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود.
وفي المقابل فإن المعارضة تتصرف على أساس أن ملفات المحكمة والحكومة والاستحقاق الرئاسي لا تزال أمامها، وأنها كلها تحتل الأولوية لديها. وهي ترى أن حصول اتفاق على أي من هذه الملفات مع الأكثرية من شأنه أن يمثّل مدخلاً الى تسوية شاملة، فحكومة الوحدة اذا تشكلت تفضي الى اتفاق على المحكمة وتفتح الباب للاتفاق على اختيار رئيس للجمهورية. وأكثر من ذلك، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري يتجاوز موقف المعارضة هذا ليتمنى ان يمثّل الاستحقاق الرئاسي مدخلاً الى عملية وفاقية شاملة، من دون أن يسقط من الحسبان أن الشرط الأول لإنجاز هذا الاستحقاق هو توافر نصاب الثلثين من أعضاء مجلس النواب، وطبيعي أن هذا النصاب لا يمكن أن يتوافر ما لم يتم الاتفاق بين الأكثرية والمعارضة على شخص الرئيس العتيد.
ويكشف سياسي متابع للاستحقاق الرئاسي أن الرئيس بري والبطريرك الماروني نصر الله صفير يتبادلان الأفكار في هذه المرحلة في شأن القانون الجديد للانتخابات النيابية والاستحقاق الرئاسي، وأنهما توافقا مبدئياً على قانون انتخابي يعتمد القضاء دائرة انتخابية واحدة وعلى وجوب توافر نصاب الثلثين في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الذي ينص عليه الدستور، خلافاً لما يُطرح من اجتهادات، كما توافقا، أو ربما هما الآن في طور التوافق، على وجوب أن يكون الرئيس العتيد توافقياً.
ولا يستبعد هذا السياسي أن يتولى الرئيس بري لاحقاً اقتراح لائحة مرشحين للرئاسة باسم المعارضة يكون بينها اسم واحد على الأقل يُمثّل قاسماً مشتركاً بين الأكثرية والمعارضة، وفي المقابل يقترح البطريرك صفير لائحة تتضمن مجموعة مرشحين بينهم اسم يمثل أيضاً قاسماً مشتركاً بين الفريقين. ويعتقد المصدر نفسه أن بري وصفير ربما اقتربا من آلية كهذه، لكن البطريرك، وبسبب التجارب السابقة، قد لا يُقدِم على اقتراح مرشحين إلا إذا لمس جدياً أن مؤتمر شرم الشيخ الأخير قد أفضى الى سكة حلول للأزمات الإقليمية القائمة والى تسوية بين واشنطن وكل من دمشق وطهران.