بعلبك ـــ عبادة كسر
ترزح مدينة الشمس تحت مظلة المخالفات والفوضى التي تلقي بظلالها على كل المطارح. إن تدخل المدينة سائحاً أو زائراً، تطالعك الحفريات من المدخل الجنوبي مروراً بكل الطرقات والزواريب الداخلية لأحياء المدينة، حيث يتراءى لك وكأنك في كرنفال يُحيي طقوس دفن الموتى، وخاصة في السوق التجاري المركزي للمدينة، حيث أصبح معه الشارع ممراً للسيارات والمشاة والخيول ومواقف سيارات أجرة القرى، والعربات، لأن البضائع وصناديق الخضر والأحذية احتلّت الأرصفة.
لا تخف إن استقبلتك المدينة التي تعشق الحياة بمحال اللحمة التي تتربع في الوسط التجاري من السوق، وأنك لا محالة داخل في صراع ومغامرة لا مثيل لها تبدأ مع الذبائح التي تعتلي الأرصفة والمعلقة خارج المحال بطريقة لا تراعي الشروط الصحية والبيئية. وما إن تمضي حتى تباغتك رؤوس البقر وكروشها مفترشة الأرصفة، ولا تفاجأ برائحة الذبائح ودمائها وأنت على مقربة من هياكل بعلبك. وإذا اضطررت للهروب من الرصيف إلى الشارع تواجهك المياه الآسنة والسيارات المزدحمة بفعل غياب رؤية واضحة لخطة السير. لا يُخيّل إليك أنك في العاصمة عندما تقضي ربع ساعة في سيارتك، فأنت في بعلبك عالق في عجقة سير سببتها خطة سير متعسرة وحفريات في وسط الطرقات. تستمر فصول هذه الرواية لتصل إلى الهياكل المقصودة، فمع غياب الشرطة السياحية والترشيد السياحي، يمارس بعض بائعي القطع الحرفية والسبحات مطاردة السياح بقصد الشراء القسري حتى إن أحدهم حلف «مرتي طالق مني بالثلاثة إن لم تشتر مسبحة أو تذكاراً»، إضافة إلى عربات الحيوانات، ومواقف السيارات العشوائية بمحيط القلعة حيث يتعذر على السائح الاستمتاع بما يقصد زيارته.
أما «رأس العين»، المنفذ الوحيد للسياحة الداخلية والخارجية بعد قلعة بعلبك، فله حكاية خاصة بدأت منذ عشرات السنين مع تنفيذ الأحكام العرفية بمعالمها البيئية من قطع أشجار بلغت سنونها الألوف، حيث نفّذ القصّال بها حكم التلف بغية توسيع الطريق ودُفن معه مجرى النهر الذي كان يتوسط الشارع. تطالعك مرجة رأس العين بأبهى حلة تحيط بها فانات الإكسبرس التي تزدحم على أرصفتها بشكل فوضوي وتحدث تشويهاً للمواقع الطبيعية بحيث يضطر من يمارس هواية المشي، أو التنزه سيراً إلى النزول إلى الشارع لأنه لا مكان على الأرصفة إلا للطاولات والكراسي والنراجيل المرصوفة وبرك المياه التي خلّفها أصحاب هذه الفانات، إضافة إلى الحيوانات الدابة (خيل، جمال، بغال) التي تفاجئك بالهجوم على الناس أحياناً وبرشّ برازها على الأرض أمامك مرات أخرى.
لا يغيب عن هذه المدينة التعدي على الآثار، وخصوصاً الكشك الثابت الذي بني على الحائط القبلي لمسجد الظاهر بيبرس المملوكي ويقع بالقرب من ببركة البياضة التي تحتوي آثاراً رومانية.
ويصف بسام رعد (الرئيس المقبل لبلدية بعلبك بعد مرور ثلاث سنوات على عمر المجلس الحالي)، خطة السير بأنها متعثرة ويقول: «سوف تنظر البلدية في إمكان استبدال الطريق الذي ألغاه مشروع الإرث الثقافي والذي يفصل ما بين معبد فينوس ومعبدي جوبيتير وباخوس بطريق البساتين من دون التعدي على المنطقة الخضراء». ويرى رعد «أن مشكلة الحفريات تتحملها الشركات المنفذة لعدم التقيد بدفتر الشروط»، ويضيف: «حاولت البلدية مراقبة التنفيذ معتمدة على مهندسين متعاقدين لم يستطيعوا أن يتابعوا الموضوع بالشكل المطلوب». وعن فانات الإكسبرس يقول رعد: «سوف تعمل البلدية على بناء أكشاك خشبية بديلة لائقة تتوافر فيها الشروط الملائمة للخصوصية السياحية»، ويستطرد رعد متحدثاً عن سوق اللحم: «طريقة نقل اللحوم وعرضها يمكن أن تجلب الإساءة، فالبلدية بحاجة إلى أكثر من 6 سيارات لنقل اللحوم وهي لا تملك سوى اثنتين».