جوان فرشخ بجالي
انتهى العمل على ترميم معبد تمنين الفوقا في البقاع الذي كان مهدّداً بالانهيار بفعل مستنقعات المياه التي تكوّنت تحته. عملية الترميم التي تمت تحت إشراف المديرية العامة للآثار كانت بتمويل السفارة الأميركية في بيروت، ما شكّل حاجزاً مع الأهالي الذين لم يرحّبوا بالعمل

كثيرة هي المعابد الرومانية المنتشرة في قرى سهل البقاع ومشاعاته التي لا تزال تشهد حتى يومنا هذا على إحدى فترات مجده. لكن الإهمال والجهل فتكا بكثير من تلك المعالم الأثرية وحوّلاها إلى أطلال. تلك كانت حال معبد تمنين الفوقا الذي شيّد قبل ألفي سنة لإحدى آلهة المياه عند الرومان.
ولكن خلال الحرب الأهلية، قرّر بعض من سارقي الآثار «تفجير» واجهته لتمــــــــلّك تاج العمود وبيعه، فوقعت الواجهة وسحقت الأعمدة واختـــــفى التاج. وبالطــــــــــبع ترك المعبد في حـــالة يرثى لـــــــــها، وتحوّلت «الأطــــــــلال» إلى ملتــــــــقى لشباب القرية.
هذا الوضع دفع المديرية العامة للآثار إلى اتخاذ قرار بإعادة ترميم واجهته من خلال المنحة السنوية التي تقدّمها السفارة الأميركية في بيروت وتعرف «بمنحة السفير» وتبلغ قيمتها 30 ألف دولار أميركي. وقد تولى عالم الآثار والمهندس المختص بالترميم ميشال داوود العمل على الموقع بالتعاون مع خالد الرفاعي من المديرية العامة للآثاريشرح الرفاعي أن «ضرورة العمل على هذا الموقع ليست لغايات جمالية فحسب (أي ترميم الواجهة) بل لأنه كان مهدّداً بالانهيار». ويوضح أن «المعبد مبنيّ فوق بئر تتدفق منها المياه في فصل الربيع. وقـــــــــد أدى استخدام المعبد في الفترات الأخيرة مكبّاً للنفايات، الى حجز المياه ومنعها من الخروج من منافذها، وتشكيل مستنقعات تحت أساسات المعبد، ما قد يحدث تصدّعاً في الجدران ووقوعها لاحقاً».
لذلك كان لا بد من إجراء ترميم سريع للمعبد «وبدأ العمل على تنظيف البئر التي يبلغ عمقها 15 متراً. وبذلك، عادت المياه إلى مجراها الطبيعي أيّ من البئر إلى خارج المعبد».
ذلك أن الرومان كانوا قد حفروا قنوات صغيرة للمياه في أرض المعبد. وحينما تمتلئ البئر تنضح المياه فتسيل في قنوات صغيرة محفورة في حجارة أرض المعبد وأدراجه، ويرى الزائر الماء ويشرب منها حتى قبل دخوله مكان العبادة...
يُعدّ معبد آلهة المياه المتدفقة فريداً من نوعه في لبنان، ويتميّز بسقفه الحجري المقوّس وشكله الهندسي المستطيل الذي تتوسطه بئر الماء، وينتهي في قدس الأقداس أو المكان المقدّس في المعبد حيث كان يرفع تمثال آلهة المكان. وهو يتميّز بواجهته المؤلفة من عمودين يعلوهما جبهية مثلثة. وهذه الواجهة بالذات كانت قد دُمّرت، ويعمل الفريق اليوم على إعادتها إلى حالها.
ويعرض ميشال داوود فكرة العمل عليها: «في سبيعنات القرن الماضي قام فريق من المديرية العامة للآثار بترميم واجهة المعبد هذه. وقد اتّبعت تقنية العمل نفسها التي كانت تجري العادة باستعمالها أي تقوية الأساسات بالإسمنت «وبناء» الأقسام الناقصة بالإسمنت أيضاً، وارتفع حينها عمودا الواجهة اللذان بقيا حتى «التفجير»أما اليوم، فقد اعتمدت التقنيات الحديثة «الإسمنت لم يعد مستعملاً لأنه يؤذي الحجر، لذلك استبدلناه بحجارة تشبه بنوعيتها حجارة الموقع القديمة ونحتنا جزء العمود الناقص والتاج الضائع، أي اننا أعدنا المعبد إلى حاله، لكن بشكل علمي أكثر».
تجدر الإشارة إلى أن زائر الموقع يمكنه أن يلاحظ الفرق بين القديم والحـــــديث من مجرد النظر إلى واجهة المعبد، وذلك مــــــــــقصود وإلا لكانت عملية إعادة الواجهة هذه تزويراً للتاريخ.
أمر آخر جدير بالتوقف عنده هو أن العمل على ترميم أي مكان يفرض شروطاً علمية متعددة، منها تنمية شعور أهالي المنطقة بأهميته، وهو لم يكن متوافراً لأن التفاعل مع الأهالي كان صعباً منذ انطلاقة المشروع في ظل رفضهم للتمويل الأميركي. وقد لاقى أبناء المنطقة مبعوث السفارة بدقّ الطناجر والطبول، ما كاد يشكل أزمة دبلوماسية.
ولكن، بعد الحديث والــــــــشروح الطويـــــلة، وافــــــــق الأهالي على المشروع من دون أي مشـــــــاركة من قبلهم. وهذا أمر يؤســــــــــف له جداً، لأن كلّ الدراسات الحديثة والطرق الجديدة في تأهيل المواقع تـــــــــرى أن تنمـــــــــية شـعور «امتلاك الآثار وحبّها»، من قبل الأهالي الذين يعيشون قرب المواقع، ضروري جداً.
مما لا شك فيه أن «ترميم» معبد تمنين الفوقا ضروريّ جداً الآن، وأن المشروع كان استخداماً إيجابياً «لمنحة السفير». ولكن، ألم يكن ممكناً العمل عليه بشكل ينمّي نوعاً من السياحة المحلية ويعطي الأهالي حافزاً على حماية آثارهم والافتخار بها؟