عمر نشابة
أجهزة الضابطة العدليّة في لبنان تبدو ضعيفة بحسب المعايير الدولية، والدليل على ضعفها ليس عدم كفاءة عناصرها ومكاتبها في كشف الجرائم وحماية الناس، انما ضعفها هو في عدم تمكّنها من التوصل الى كشف الجرائم ملتزمة قانونية كل خطوة تقوم بها. والمسؤولية عن استمرار ضعف الضابطة العدلية تتحملها أولاً النيابات العامة المشرفة على التحقيقات القضائية. إذ لا يلحّ المدّعون العامون بما فيه الكفاية على تفاصيل قانونيةِ كثير من الاعمال التي تقوم بها الاجهزة الامنية خلال المداهمات ولا يتنبهون إلى تفاصيل التعامل مع الموقوفين لديها. وقد يكون سبب عدم دخول المدعين العامين في التفاصيل، وبغضّ النظر عن مدى اهميتها، هو ثقتهم بأن جميع عناصر الضابطة العدلية مؤهّلون تأهيلاً مهنياً كاملاً. أي أن هؤلاء العناصر متنبّهون بدقّة لما يحقّ لهم وما لا يحقّ لهم. لا يحقّ لأي سلطة تجريد الموقوفين، حتى لو اوقفوا بالجرم المشهود، من كرامتهم الانسانية. ولا يحقّ للضابطة العدلية إذلال الموقوفين عبر معاملتهم بقسوة أو مخاطبتهم بكلامٍ نابٍ حتى لو ثبُتَ قانونياً أنّهم ارتكبوا أبشع الجرائم. هل يدرك جميع المحقّقين العسكريين هذه القواعد القانونية؟ وإلى أي مدى يتساهل المدّعون العامون مع العسكريين الذين يقومون بأعمال مذلّة للموقوفين والمدانين؟
أمثال اذلال الموقوفين كثيرة، نذكر منها معاملة عناصر الشرطة للموقوف حسّان م. أثناء تمثيله جريمة ثبت في ما بعد قيامه بها، وذلك في 19 نيسان الماضي. ونقلت حينها وسائل الاعلام مشاهد تدلّ بوضوح على طريقة التعامل مع الموقوفين. كان عنصر من الشرطة يُمسك به من قميصه كأنه يمسك بحيوان مفترس أو بجرذ، اما طريقة مخاطبته فمن المعيب تكرار مضمونها.
قد يبذل المدعي العام التمييزي والمدير العام لقوى الامن ومدير المخابرات في الجيش جهداً لعدم اذلال الموقوفين على يد العناصر الامنية، لكنه سيكون جهداً غير كافٍ ما لم يترافق مع ضمانات وقواعد تفصيلية ثابتة، والمطلوب هو التشدّد للحفاظ على الكرامة الانسانية و«العقد الاجتماعي» (روسو) وهو اساس نظام المؤسسات في الجمهورية الديموقراطية.