جان عزيز
روايتان متكاملتان على بعض التمايز، خرجتا عن اللقاء المطوّل الذي عقد أمس بين الرئيس إميل لحود والبطريرك الماروني نصر الله صفير. واحدة تتحدث عن لقاء عادي، أجريت ترتيباته منذ أكثر من أسبوعين، وجاء شاملاً في المواضيع التي تداولا في شأنها. وثانية تشير إلى اجتماع استثنائي، تمّ غبّ الطلب، على خلفيّة معلومات خطيرة عن استحقاق سريع وحدث كبير كان متوقعاً خلال أيام، فجاءت «القمة المارونية» الأولى منذ عام ونيّف، لتضعه بنداً وحيداً على جدول أعمالها، وتنتهي إلى معالجته.
في تفاصيل الرواية الأولى أن القطيعة القائمة منذ نحو 13 شهراً بين بعبدا وبكركي لم تكن في أي يوم من تلك الفترة الطويلة نسبياً موضع قبول أو رضى أو استكانة على ديمومتها من الطرفين. وإزاء ذلك عملت شخصيات عدّة على خط القصر والصرح، لمعالجتها. وجاءت التطورات الأخيرة، وخصوصاً تأويل بعض مواقف الصرح وتقويل سيّده ما يصنّف في خانة «الإعدام» لموقع الرئيس، لتساعد على إنهاء القطيعة. وتضيف معلومات هذه الرواية أن موعد اللقاء كان قد حدّد بعيد عودة البطريرك من روما، وأبقي طيّ الكتمان، حتى عن أقرب القريبين والمعنيين وأصحاب المساعي.
أما في المضمون فتؤكد المعلومات نفسها أن لقاء الساعتين ونيّف لم يكن متكافئاً في أدوار الحوار بين الرجلين. فكان البطريرك في غالبيته سائلاً مستوضحاً و«مدقّقاً» في كل المسائل المطروحة، فيما كان لحود متكلّماً مجيباً وشارحاً.
وتضيف أن الكلام بدأ بمطالعة شاملة من المضيف، ركزت على أسباب الهجوم الذي يتعرّض له منذ أعوام، عازياً ذلك إلى هدف وحيد يمثّل الأجندة الفعلية للجهات الخارجية الضاغطة على الوضع اللبناني، وهو تذليل العقبات امام توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فاستعاد لحود حيثيات الموضوع منذ القمة العربية في بيروت في آذار 2002، حتى القمة الأخيرة في الرياض أواخر شباط الماضي، مؤكداً أن ما «أنجزه» قبل أعوام لجهة تكريس «حق العودة» في المبادرة العربية، هو صلب ما تعرّض ويتعرّض له، وهو تماماً ما كان السعي إلى إسقاطه في الرياض. وإن هذه المسألة تمثّل جوهر السياسات الخفيّة لبعض الغرب وإسرائيل، وصولاً إلى ما يحصل في لبنان اليوم، شارحاً أن الوضع الراهن هو المرحلة الرابعة من «مخطط التوطين»، فبعد مرحلة أولى عنونتها الحرب الأهلية في لبنان طيلة أعوام، وثانية كانت عبر محاولة إمرار الطرح بتغطية عربية، وثالثة حملت عنوان حرب 12 تموز الماضي، تأتي اليوم المرحلة الرابعة عبر السعي إلى تغطية هذا «الهدف» بمواضيع لبنانية مختلفة، من المحكمة الدولية إلى الدفاع عن السيادة اللبنانية وسواها من المسائل المثارة اليوم في الصراع اللبناني الداخلي. وتؤكد معلومات الرواية الأولى أن صفير بدا موافقاً على خطورة الأمر وضرورة التنبّه له ومواجهته. وانطلاقاً من هذا «التوافق» كانت مقاربة جميع المسائل الأخرى، وخصوصاً مواضيع سلاح «حزب الله» والوضع الحكومي القائم والاستحقاق الرئاسي المقبل، حيث كان البطريرك محقّقاً في كل تفصيل، وكان لحود مصرّاً على ربط جميع هذه الملفات بقراءته الأولى، مشيراً إلى أن تنازله عن هذه «الثابتة الوطنية» كان سيفتح أمامه تزكية الجميع في الداخل والخارج، للتمديد والتجديد من دون أي عقبة، تماماً كما حصل سابقاً، وملمّحاً إلى أن اغتيال الرئيس رفيق الحريري جاء في هذا السياق لا غير.
في المقابل تُبرز الرواية الثانية معلومة تشير إلى أن ثمة معطيات قُدمت إلى بكركي، تفيد بأن لحود وجّه تحذيراً بمثابة مهلة أخيرة إلى المعنيين بضرورة تأليف حكومة وحدة وطنية، تحت طائلة إصدار مراسيم من جانب واحد، تعلن اعتبار حكومة فؤاد السنيورة مستقيلة، وتبني على ذلك المقتضى اللازم دستورياً.
وتضيف معلومات هذه الرواية أن البطريرك تباسط في الأمر مع رئيس الجمهورية منبّهاً إلى الخطورة الكبرى لمثل هذه الخطوة وتداعياتها على مستوى وحدة البلاد والدولة. وكان رد لحود مركّزاً على النقاط الآتية:
1 ــــــ إنه ليس في وارد الإقدام على خطوة كهذه، ولا صحة إطلاقاً لشائعة المهلة المعطاة، التي قيل إنها تتطابق مع نهاية شهر أيار الحالي، وبالتالي مع نهاية العقد العادي للمجلس النيابي واحتمال إقرار المحكمة الدولية عبر مجلس الأمن. وأكد لحود أن طلباً كهذا نقله إليه بعض المعارضة منذ أشهر، لكنه امتنع عن التجاوب معه، ما أثار استياء أصحابه، ومع ذلك ظل على اقتناعه.
2 ــــــ إنه ليس في وارد البقاء في موقع الرئاسة ولا في قصر بعبدا لحظة واحدة بعد انتهاء ولايته، ليل 23 ــــــ 24 تشرين الثاني المقبل.
3 ــــــ إنه التزاماً منه بقسمه الدستوري، ليس في وارد تسليم البلاد إلى حكومة يعتبرها غير موجودة. ولذلك فإن إصراره كامل على تأليف حكومة وحدة وطنية فوراً، تمهّد لانتخاب الرئيس المقبل، وتكون مؤهّلة لسد الفراغ في حال وقوع المحظور.
4 ــــــ إنه يحتفظ لنفسه باتخاذ الإجراءات المناسبة في حال عدم حصول ذلك، من دون إعطاء أي تفاصيل أخرى.
هل تختصر الروايتان مضمون مباحثات الساعتين في بعبدا أمس؟ أوساط مطّلعة على أجواء اللقاء تؤكد أن المسألتين طرحتا وجرى الخوض فيهما طويلاً. غير أن الحياكة في قراءات أخرى، من نوع دخول سيّد بكركي طرفاً ملتزماً في مبادرة للحل، على خلفيّة مسعى فاتيكاني أميركي، استمرت قائمة وكثيفة. ويستند أصحابها إلى الملاحظة بأنه حين قرّر صفير توجيه رسالة إلى لحود يوحي إليه فيها بطلب التنحّي عن موقعه، اكتفى بإيفاد نائبه العام المطران رولان أبو جودة إلى قصر بعبدا. وبالتالي فإن صعوده شخصياً يوم أمس إلى القصر، لا بد ممن أن يكون مدفوعاً بأكثر من تفسيرات الروايتين السابقتين. وهذا ما يترك للأيام المقبلة توضيحه.