strong> أمل نصر
  • ذاكرة الجنين تحمل نغمات سمعتها وتقلقها مشاكل الأبوين

    تؤدي الموسيقى دوراً في وقاية الجنين من الأمراض العصبية والنفسية. الأذن هي العضو الأول الذي يتكوّن لدى الجنين بعد 18 أسبوعاً من انطلاق تكوينه في رحم والدته. ويستطيع الجنين سماع الأصوات وتمييز النغمات ابتداء من الشهرين الثالث والرابع للحمل. فهل تعي الأم أهمية تغذية جنينها بالموسيقى والمحافظة على راحته النفسية؟

    أمور كثيرة تهتم بها المرأة ما إن تعرف أنها حامل. تسأل عن الكثير من التفاصيل المتعلقة بالطعام المفيد للجنين، بالحركات الواجب القيام بها من أجل عدم إزعاجه في رحمها، تقرأ وتفتش عن صور تكوّنه في رحمها يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر. لكن قلّة من النساء تهتم بمعرفة الأثر النفسي لكلّ ما يحيط بهنّ في الجنين بعد أن يكبر. وتشكّل الموسيقى أحد أبرز أسباب تخفيف هذا الضغط النفسي عن الأم وجنينها في الوقت نفسه.

    علاج وقائي

    تخصّص هدى كرم نصف ساعة من وقتها يومياً لإسماع جنينها الموسيقى نزولاً عند نصيحة شقيقتها لها بأهمية الموسيقى في تغذية روح الطفل القادم إلى الحياة وجسده، وتقول «إني درست علم النفس ومتأكدة من دور الموسيقى الإيجابي في تكوين الجنين».
    لكن هدى لا تعرف أكثر من هذه التفاصيل عن دور الموسيقى، تماماً كمهى سعيد التي تحرص على إسماع جنينها الموسيقى انطلاقاً من ملاحظتها فقط: «لقد أسمعت الفتاة الكبيرة الموسيقى وهي جنين ولم أفعل مع الثانية، والآن ألاحظ الفرق بينهما لناحية هدوء الطبع. لا أعرف إذا كانت الموسيقى هي السبب، لكني قررت في حملي الحالي أن أسمع الابن الثالث موسيقى وبعدها أحكم»، تقول ضاحكة. أما كارول قزّي فمعلوماتها أوسع عن الموضوع: «كنت مقيمة في فرنسا ونصحني فريق نفسي مساعد للأطباء النسائيين بسماع الموسيقى وذلك في «مركز التحضير للولادة بلا ألم». كنت أخضع لجلسات استرخاء ما ساعدني كثيراً في إنجابي الأوّل. لا شك في أن سماع المرأة الحامل للموسيقى مفيد كثيراً ويساعدها في تخفيف ألم الولادةتشير هذ الشهادات إلى دور الموسيقى الإيجابي للأم وجنينها على السواء، لأنها تشكل علاجاً وقائياً لكثير من الأمراض النفسية والعصبية والجسدية، وتنشّط الذاكرة وتسهم في تشكيلها. وتكشف الدراسات العلمية عن تأثير الموسيقى الصاخبة في المرأة الحامل والجنين معاً لارتباط جهازها التناسلي بجهازها العصبي. والدليل أن الانفعال والتوتر النفسي يؤديان الى انقباض الرحم وزيادة نسبة الهورمونات والأدرينالين والتيروكسين، ويسبب هذا توتراً عصبياً للجنين، فينعكس سلباً على نموّه العضوي والنفسي، وقد يشكل خطراً عليه.
    وأجرى فريق من الباحثين الفرنسيين، ضمّ ماري كلير بوزنيل وكارولين غرانييه وجان بيار لوكانوييه، أبحاثاً كشفت قدرة الجنين على التمييز بين صوتين وعبارتين ولفظتين ورائحتين تبعاً لاعتياده مجموعة مثيرات متكررة. فالجنين في مراحل متقدمة من الحمل يتطور من الوضع الفيزيولوجي إلى الوضع الحسّي، وتصبح أعضاؤه أكثر قدرة على تلقي المثيرات الخارجية.
    وأفادت دراسات نفسية بأن الجنين يستطيع سماع الأصوات والتمييز بين النغمات الموسيقية ابتداءً من الشهرين الثالث والرابع للحمل، ويذهب بعضهم إلى القول إنه يستطيع بعد سنوات من الولادة تمييز الأغاني التي كان قد سمعها وهو في الأحشاء.
    واتفق علماء الأجنّة على أن الأذن هي أول عضو يتكون في الجنين، وتبدأ وظيفتها بعد 18 أسبوعاً فقط من بداية تكوّنه، وهو قادر على تمييز الأصوات بعد 24 أسبوعاً. وللموسيقى تأثير في وقاية الجنين من الأمراض العصبية والنفسية وعيوب النطق والعجز عن التعلّم واكتساب المعرفة والمهارات.

    المتابعة النفسية

    تؤكد الدكتورة المعالجة والأستاذة في علم النفس في الجامعة اللبنانية مي جبران على أهمية الموسيقى بالنسبة إلى الجنين والأم، مشيرة إلى أهمية المتابعة النفسية للحامل بالدرجة نفسها التي تُتابع فيها جسدياً.
    وتقول جبران: «قد يكون عدم وعي النساء فوائد الموسيقى للجنين سببه اعتقادهن بأنه لا يستطيع سماعها علماً أن الموسيقى الهادئة تؤدي إلى نوع من الاسترخاء، والوضع النفسي مهم جداً للأم والجنين معاً، أما الموسيقى الصاخبة فتؤثر فيهما سلباً لإحداثها تشنّجات تنعكس على النمو الفيزيولوجي والنفسي للجنينوتحمّل جبران مسؤولية عدم وعي المرأة أهمية الموسيقى إلى غياب الناحية النفسية عن المتابعة الطبية التي تخضع لها: «عادة لا يهتم الطبيب النسائي بالحامل من الناحية النفسية ولا يعرف انفعالات الجنين وتطوّراته النفسية، بل يهتم بالناحية البيولوجية للنموّ، وبالجينات إذا كانت طبيعية، وبالتغيرات الهورمونية إذا كانت سليمة داخل الرحم».
    وتوضح جبران أن العلاج نفسي ضروري جداً «حتى إن القانون الفرنسي يلزم الطبيب النسائي بمساعد نفسي يرافق المرأة في فترة الحمل. هناك جسم طبي متكامل يهتم بالمرأة الحامل من الناحية الفيزيولوجية والنفسية ويعمل على إراحة الأم والجنين، وثمة جلسات تحضيرية لمجموعة نساء حوامل نفسياً وجسمياً قبل الولادة لتخفيف التوتر والخوف من الوضع عبر سماع الموسيقى الهادئة، والهدف هو الولادة من دون ألم على رغم أنه ليست هناك ولادة من دون ألم، في المطلق». وتأسف لغياب هذه البرامج في لبنان.
    لكن الوضع الاقتصادي في البلد قد لا يتيح للنساء استشارة طبيب أو معالج نفسي، فتوضح جبران أنه «في فرنسا تقع الكلفة على عاتق المستشفى والدولة، ويعدّ العلاج النفسي شرطاً من شروط المتابعة الطبية. الدولة هي المسؤولة أولاً وأخيراً. وعلى رغم أن لدينا مستشفيات كمستشفى بيروت هي من أهم مستشفيات الشرق الأوسط والطلاب يتابعون تدريبهم فيها، يمكننا لفت النظر الى وجوب ان تكون لديهم غرفة تحضيرية للنساء الحوامل، تهيئةً للولادة وتخفيفاً لألمها».
    وتكشف جبران عن أساليب أخرى تريح الحامل نفسياً منها الـ sophrologie والتأمل والاسترخاء والتنويم المغناطيسي، «كلها تفيد الحامل وتعتمد على مبدأ الاسترخاء». وتوضح أن لهذه الجلسات فوائد جسدية أيضاً: «العلاج النفسي للمرأة الحامل من طريق الموسيقى والتنفس وجلسات الاسترخاء يخلّصها من تشنّجات الأعضاء التناسلية ويجنّبها الولادة القيصرية لأن الرحم تفتح بسهولة».

    وعي المرأة

    لا يخالف الطبيب النسائي أنور نصّار رأي جبران، بل على العكس، إذ يقول: «يهتم الأطباء عادة بالمرأة الحامل من الناحية البيولوجية، لكن إذا سألتنا أسئلة نفسية فنحن ننصحها ومن هذه النصائح إسماع الجنين الموسيقى». ويؤكد «أن الأذن هي العضو الأول الذي يتكون لدى الجنين بعد أسابيع من الحمل، وهو يسمع نبضات القلب والدورة الدموية لدى الأم. وعندما نجري صوراً مغناطيسية يتحرك وينزعج من الذبذبات، ولكن لا تؤثر فيه كثيراً لأنها تكون لفترة قصيرة. وهناك إحصاءات تفيد بأنه عندما يسمع الأطفال موسيقى موزار يكفّون عن البكاء ويستغرقون في النوم».
    غير أن نصّار لا يؤكد أن الطفل يسمع تماماً ما يُقال، بل «يتحرك ويحدث ردات فعل على الصوت، وبعد 24 أسبوعاً من تكوّنه يصبح في إمكانه تمييز الأصوات. وهناك أبحاث أفادت بأن الأطفال الذين يسمعون أصوات أمهاتهم يأكلون أكثر من الآخرين، لكن نحن الأطباء النسائيين لا نؤكد ذلك، إذ لا توجد دراسات علمية تحدّد نسبة انخفاض الصوت وعلوّه».
    ويحمّل نصّار الأم مسؤولية متابعة وضع جنينها نفسياً: «أنا لا أرفض تلازم المتابعة الطبية والنفسية ولكنها مكلفة، وكلنا يعرف واقع الوضع الاقتصادي في لبنان. لذلك على كل حامل أن تتمتع بالوعي والتثقيف». ويحذّر من المفاهيم الاجتماعية الخاطئة أو المجلات ومواقع الإنترنت «هناك مجلات ومواقع علمية تقدّم الإرشادات والمعلومات الصحيحة، وعلى المرأة أن تملك الفضول العلمي لكي تثقف نفسها على نحو سليم».




    حفظوا المشكلات التي رافقت تكوّنهم

    إلى أي حدّ تؤثر الظروف التي يعيشها الأبوان خلال فترة حمل الأم على الجنين؟
    كثيرون لا يعلمون أن الطفل يشعر بأمه ويتأثر بحالتها النفسية، ما قد ينعكس على شخصيته بعد خروجه إلى الحياة.
    تروي السيدة فاتن معاناتها الطويلة مع طفلها الذي كان يعاني عوارض نفسية وعضوية أهمها: التأخر في الكلام، عسر النطق، والقلق والتوتر حتى في الأمكنة الهادئة، والعزلة، وعصبية المزاج، والسلوك العدائي تجاه أفراد الأسرة، وعدم مشاركته أقرانه في النشاطات المدرسية الترفيهية والأكاديمية وعدائيته. اعتمدت هذه الأم أساليب عدائية لتكتشف سبب سلوك طفلها، إلى أن لجأت أخيراً إلى أطباء ومستشارين نفسيين لمعالجته، ولم يتعاف إلا بعدما سئلت عن التفاصيل التي عاشتها خلال مرحلة الحمل: فقد توفي والده وهو جنين في شهره السابع، وتعرضت الأم لمشكلات وضغوط وشجار مستمر مع الجد والعم، ووصل بهما الأمر إلى الى مضايقتها وضربها أحياناً وإرغامها على مغادرة منزلها الزوجي رغم إرادتها لطمعهما بإرثه. وتقول إن كلّ الأطباء نصحوها بإخبار طفلها عما تعرضت له قبل ولادته، ما ساعد كثيراً في تخفيف ردود الفعل السلبية التي كان يقوم بها.
    ولا تختلف قصة عائلة أخرى تتألف من أربعة أفراد: الأم والأب وابنتان. كان أهل الأب يرغبون في أن تنجب الأم صبياً يحمل اسم العائلة، وعندما حملت الأم بالـ«صدفة» تمنت بدورها أن يكون المولود صبياً، لكن لـ«سوء حظها» وحظ العائلة أنجبت بنتاً. نتيجةً لرد فعل الأهل، انتابت الطفلة نوبات قلق وبكاء وصراخ، ونفور من الطعام وحرارة مرتفعة بلا سبب عضوي، وطبعت العدائية سلوكها الأقرب إلى سلوك الذكور.
    كما انعكس ذلك على رفض الطفلة لوالديها وتقرّبها من شقيقتها الكبرى»، وبقيت كذلك حتى سن الخامسة عندما بدأ أهلها معاملتها على أنها فتاة، بعد استشارة الأطباء النفسيين، فاستعادت حياتها الطبيعية في المدرسة والبيت ومحيطها الاجتماعي.