إبراهيم عوض
بهية الحريري مع الانتخاب ولكن.. وسعد يذكّر بإجرائه رغم الاحتلال و«الجماعة» ضد «الترقيع»

ما كادت عاصفة إقدام مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني على تكليف الشيخ أسامة الرفاعي القيام بمهام المفتي في محافظة عكار تنحسر بعض الشيء بعد ردود الفعل المعترضة والمنتقدة للقرار والصادرة عن عدد من قيادات المنطقة وعلمائها ومشايخها، حتى كرر قباني الأمر بتكليف الشيخ سليم سوسان مهام المفتي خلفاً لمفتي صيدا الراحل الشيخ محمد سليم جلال الدين.
وإذا كان أصحاب الأصوات المحتجة على إجراءَي مفتي الجمهورية ينطلقون في غالبيتهم من موقع المعارضة ويأخذون على سيد دار الفتوى انحيازه إلى فريق الموالاة بصورة عامة وإلى «تيار المستقبل» بشكل خاص، ومحاولته «إحكام السيطرة» على المراكز الدينية الأبرز في صيدا وعكار وغيرهما من المناطق وإيلاء أمرهم إلى من يدعمون التيار المذكور، فإن ما لفت هو انضمام فريق عرف عنه اعتماد «الخط الوسطي» إلى صفوف غير الراضين على تصرف المفتي، والمقصود بهذا الفريق هنا «الجماعة الإسلامية».
فقد أبلغ رئيس المكتب السياسي للجماعة علي الشيخ عمار «الأخبار» أن «معظم الصيداويين منزعجون من التدبير الذي لجأ إليه المفتي قباني ويرونه غير ملائم ولا يصب في مصلحة دار الفتوى والمفتين الذين جرى تعيينهم في هذه المنطقة أو تلك. كما أن هناك من يرى الخطوة غير شرعية وغير نظامية. وقد أثرنا الموضوع أكثر من مرة من خلال الأخوة في المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى. وبغض النظر عما إذا كان المكّلف مهام المفتي ينتمي إلى هذه المجموعة أو تلك، فإن موقف الجماعة معروف وواضح ولا مساومة فيه ويقضي بضرورة إجراء انتخابات لاختيار المفتي». ولفت إلى أن «تذرع المفتي قباني بميله إلى عرض القانون الخاص بالهيئة الناخبة الذي عُدِّل داخل المجلس على رؤساء الحكومات السابقين قبل إقراره، وقوله إن الظروف غير مواتية لإجراء انتخابات لا يمنع القيام بهذه العملية وفقاً للقانون الحالي، وخصوصاً أن البلاد شهدت أكثر من محطة انتخابية، بينها الانتخابات النيابية والعديد من الانتخابات النقابية،فضلاً عن قيامنا قبل أكثر من عام بانتخاب أعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى».
بدوره أبدى النائب أسامة سعد استياءه مما فعله قباني وكشف لـ«الأخبار» أن الأخير اتصل به هاتفياً ليعلمه بما هو عازم عليه، فرد معترضاً، مذكراً إياه بأن المفتي الراحل جلال الدين «أصر على عدم الاستمرار بمهامه بالتكليف وقد استجبنا لرغبته وأجرينا الانتخابات تحت الاحتلال الإسرائيلي». وقال سعد إنه «حذر قباني من تعرض مركز المفتي لكل أنواع التجريح»، متسائلاً عن سبب إحجام العلماء والمشايخ في صيدا عن اتخاذ موقف واضح بهذا الشأن «فيما يعمدون في مجالسهم إلى إطلاق صيحات الغضب من قرار المفتي».
من جهتها أكدت النائبة بهية الحريري لـ«الأخبار» أن «الكل مجمع على ضرورة إجراء انتخابات المفتين، لكن الأوضاع الراهنة لا تسمح بذلك. كما أن قانون الهيئة الناخبة لم ينجز بعد، لذلك يتم اللجوء إلى التكليف حتى لا يبقى مركز المفتي شاغراً».
ويسلط القرار الأخير للمفتي قباني الأضواء من جديد على شغور مركز المفتي في طرابلس الذي مضى عليه ما يقارب العامين بعد استقالة المفتي السابق الشيخ طه الصابونجي، والأسباب التي تحول دون انتخاب البديل أو تعيين مفتٍ بالتكليف، علماً بأن قيادات المدينة ونوابها وهيئاتها الدينية والشعبية ترفض الإجراء الثاني، وتطالب بمجيء مفتٍ أصيل يُنتَخَب وفقاً للقانون.
والحديث عن القانون هنا يحمل أوساطاً طرابلسية متابعة على التوقف عند قول المفتي قباني إنه يؤثر إجراء الانتخابات وفقاً للقانون الجديد الذي أُبرم داخل المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، لكن بعد إطلاعه على رؤساء الحكومات السابقين وأخذ موافقتهم عليه، إذ ترى هذه الأوساط «أن حجة المفتي هنا تحمل أكثر من علامة استفهام تتعلق بكيفية إقدامه على التواصل مع هؤلاء الرؤساء، فيما العلاقات بينه وبين اثنين منهم تحديداً هما الرئيسان سليم الحص وعمر كرامي متوترة إن لم نقل مقطوعة بالكامل. ويكفي التذكير بأن الأول ثارت ثائرته يوم استقبل المفتي قباني قائد «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في دارته صبيحة عيد الفطر الماضي، وأدى هذا الأمر إلى مسارعة الأعضاء السنة في «اللقاء الوطني» إلى الاجتماع في منزل رئيس حزب الاتحاد الوزير السابق عبد الرحيم مراد والتلويح بإقصاء قباني. كما أخذ الثاني (الحص) عليه استقباله جعجع أيضاً وكذلك ظهوره في السرايا الحكومية وهو يؤم المصلين، ما دفعه إلى تسميته يومها «مفتي السرايا لا مفتي الجمهورية وكل المسلمين».
وتؤكد الأوساط الطرابلسية المتابعة أن «ما من شيء يحول دون إجراء الانتخابات بمشاركة الهيئة الناخبة المعتمدة وفقاً للمرسوم الرقم 18 الصادر في 12 كانون الثاني عام 1955 والمعدل بموجب القرار الرقم 5 تاريخ 2/3/67 ريثما يتم تعديله». كما ترى مجموعة من العلماء والمشايخ في المدينة أن «إقدام المفتي على اعتماد مبدأ تكليف شخصية دينية بمهام المفتي مخالفة قانونية، من منطلق أن المادة 29 المعدلة في المرسوم المذكور لا تأتي على ذكر التعيين أو التكليف من قريب أو بعيد، بل تنص على الانتخاب وتحدد الهيئة الناخبة.
وكما في صيدا، كذلك في طرابلس، فقد دعا عضو المكتب السياسي لـ «الجماعة الإسلامية» والمرشح النيابي السابق عن الجماعة في طرابلس المهندس عبد الله بابتي دار الفتوى إلى القيام بما يلزم لانتخاب مفتٍ في طرابلس، واصفاً قرارات التكليف بـ«الترقيع». وأشار إلى أن «بإمكان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الوزير السابق عمر مسقاوي أن يدعوإلى إجراء هذه الانتخابات إذا امتنع المفتي عن ذلك خلال فترة معينة».
ويؤثر مسقاوي اعتماد سياسة التروي في التعاطي مع هذا الموضوع، موضحاً لـ «الأخبار» أن «بإمكان المفتي تعيين من يقوم بمهام المفتي بصورة مؤقتة عندما يشغر المركز لسبب أو لآخر»، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة انتخاب مفتٍ لطرابلس وسعيه إلى ذلك، رافضاً اعتماد التكليف هنا «وإن كان المفتي قباني ميالاً إلى هذا الاتجاه».
وفي هذا الإطار اتهم الوزير السابق عبد الرحيم مراد دار الفتوى بـ«الانحياز إلى فريق دون آخر والمساهمة في تفريق المسلمين والتمايز في ما بينهم، متخلية عن دورها الجامع لهم». وقال لـ«الأخبار» إن «ما تقوم به من تعيينات وتتخذه من إجراءات وتدابير وضعها في مصاف المؤسسات التي تنتهك الدستور والقانون». وتساءل «عما يفعله أعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى وما هو مبرر وجوده إذا كان لا ينبري لإصلاح الاعوجاج والدفاع عن الحق»، مستغرباً «الإقدام على تعيين مساحي الجوخ في مراكز حساسة تعني كل المسلمين، لا فئة دون أخرى».

  • ملاحظة: حاولت «الأخبار» الاتصال بالمفتي قباني للوقوف على رأيه في ما يثار حول مسألة «المفتين بالتكليف» إلا أنها لم توفق في ذلك.