طارق ترشيشي
أدخلت رسالة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، التي يطلب فيها إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي بـ«قرار ملزم» يتخذه مجلس الأمن، لبنان في مرحلة جديدة من النزاع بين الأكثرية والمعارضة، ستتوالى فصولها في الفترة الفاصلة عن موعد استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية.
وترى أوساط الأكثرية أنها بإيكالها أمر المحكمة إلى الأمم المتحدة إنما أخرجتها من دائرة التجاذب الداخلي بينها وبين المعارضة، وأفسحت المجال لانطلاق الطرفين إلى البحث في إنجاز الاستحقاق الرئاسي على قاعدة الإتيان برئيس يشرف على تنفيذ تسوية يتم التوصل إليها ويكون اختياره تتويجاً لها. وترفض الأكثرية الدخول مع المعارضة في تفاوض للتوصل إلى «رئيس توافقي»، لأن مثل هذا الرئيس يعني في رأيها «تأجيلاً للأزمة».
وتشير هذه الأوساط إلى أن الأكثرية الآن في صدد التحضير لإطلاق مبادرة سياسية بعد إقرار المحكمة في مجلس الأمن، تتوجه بها إلى اللبنانيين، وتحدد فيها خياراتها ومقترحاتها للخروج من الأزمة.
لكنّ للمعارضة رأياً مغايراً، إذ يعبّر أحد أقطابها عن اقتناعه بأنه بعد رسالة السنيورة «باتت الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وراءنا، والبازار الدولي والإقليمي في موضوع المحكمة أمامنا، لأن الطريقة التي اتبعها فريق السلطة لإخراج المحكمة بلا توافق وطني وعبر مجلس الأمن بقرار ملزم حتى لو جاء مستثنياً استخدام القوة، طوت صفحة الحقيقة وجعلتها وراء ظهر جميع اللبنانيين، ووضعت أمامهم ورقة ابتزاز ومساومة وتسوية أوضاع ومصالح بين القوى الإقليمية والدولية على حساب الحقيقة، وربما على حساب بعض مصالح الوطن».
وينطلق القطب المعارض من هذه المعطيات ليتهم فريق السلطة بارتكاب «خيانة وطنية كبرى»، مشيراً إلى أن أعضاء هذا الفريق «يتلطّون الآن بعضهم ببعض، لذلك كان الاجتماع الوزاري برئاسة السنيورة، رغم أنه كان لدى رئيس الحكومة تفويض مسبق بتوجيه الرسالة إلى الأمم المتحدة، ثم كان اجتماع رؤساء قبائل السلطة (أركان 14 آذار) حتى يضيع دم السيادة اللبنانية بينها»، على حد تعبيره.
كيف ستتصرف المعارضة في المرحلة الجديدة؟
يجيب القطب بالقول: «إن المعارضة ترى أن موضوع المحكمة هو أداة من أدوات النزاع القائم بين قوى الهيمنة والوصاية وقوى الممانعة والمقاومة، وبالتالي هذه الأداة ستكون مثل المقبض الذي سيحصل مساومة وصراع من خلاله. ففريق السلطة يُسلم الآن السيف للأميركيين ليكملوا مشروعهم للإجهاز على قوى الممانعة والمقاومة، لكن هذا السيف لن يستطيع القطع، لأن الزمن تجاوزه». ويشير إلى «أن المعارضة لن تستبق الأمور في تحديد خياراتها للمرحلة المقبلة إذا لم تجر انتخابات الرئاسة». لكنه يؤكد أنه «إذا لم تحصل إعادة إنتاج صحيحة للسلطة بحيث يعرف كل طرف حجمه التمثيلي، فإن الأزمة ستطول في لبنان إلى أن تستقر التوازنات الإقليمية والدولية وتتقاطع المصالح الخارجية والمحلية حول تسوية معينة».
وإذ يتوقف القطب عند فكرة تشكيل «الحكومة الحيادية» التي يتداولها بعض الأوساط السياسية، يعتقد بأن هذه الحكومة تنجح إذا كان دورها إقرار قانون انتخاب نيابي وإجراء انتخابات مبكرة ثم انتخاب رئيس جمهورية جديد. أما حكومة حيادية تكون مهمتها تقطيع الوقت على قاعدة التوافق على رئيس جمهورية فإنها لن تدفع من دخل «التحالف الرباعي» إلى تكرار التجربة مجدداً، لأن «المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين».
وفي اعتقاد القطب «أن الولايات المتحدة، إذ تقلل من أهمية المفاوضات التي ستجري بينها وبين إيران على مستوى السفراء في بغداد قريباً، إنما تحاول أن توحي أن موقفها قوي، متظاهرة بأنها لا تعوّل عليها كثيراً اعتقاداً منها بأنها بذلك تستطيع أن تبتز طهران. لكن الجانب الإيراني بات يدرك جيداً حقيقة الأزمة التي تتخبط بها إدارة الرئيس جورج بوش داخل الولايات المتحدة وفي المنطقة، وهو يتعاطى معها على هذا الأساس. فواشنطن تقول إن الحوار على مستوى السفراء ليس اعترافاً دبلوماسياً بطهران. أوليس السفير دبلوماسياً بالمفهوم الأميركي؟!».