راجانا حميّة
لم تسلم بنود التوصية الدولية لمعالجة أوضاع المدرّسين الصادرة عام 1966 من الخرق، فالتوصية المذكورة فشلت في مجاراة قانون التعليم الصادر عام 1959 والورقة الإصلاحيّة للحكومة، سواء لجهة الحقوق أو المكتسبات. وفي وقت يناضل فيه المعلّمون من أجل إصلاح النظام التعليمي، ينسف عدد من المسؤولين اللبنانيين القطاع باعتباره غير منتج، منتهجين سياسة «no money... no business» من أجل النهوض بالسياسة الاقتصاديّة المعترف بها رسميّاً. وفي ظلّ الشروط المستعصية التي تحكم الاعتراف بالقطاعات، يواجه قطاع التعليم الرسمي شحّاً في الدعمين المادي والبنيوي. فبعد 48 عاماً على صدور قانون الـ59، لا تزال البنود نفسها، التي يُعمل على أساسها اليوم مع بعض التعديلات الطفيفة لمجاراة الأوضاع الطارئة. كما أنّ التوصيات التي كانت تصدر لدعم القطاع، كانت تقبع في أدراج الوزارة المعنيّة لعدم توافقها مع الخطط المعمول بها. فقد طرحت منظّمتا اليونسكو والعدل الدوليّة التوصية الأخيرة لعام 1966 أمام المعلّمين لمناقشتها واتّخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين المستوى التعليمي، غير أنّ ما حصل فيها كان شبيهاً بما قبلها واستقرّت الإجراءات عند حدود المناقشة الأولىاليوم، وبعد 41 عاماً على صدور التوصية وثلاثة أشهر على مناقشتها، رُكنت في «مكانٍ ما» ريثما تتهيّأ الأوضاع المناسبة لتطبيقها، ما دفع الأساتذة إلى طرح التناقضات التي تحول دون التطبيق. وفي هذا الإطار، كشف النقابي محمّد قاسم أنّ التوصية لا تتطابق في معظمها مع قانون التعليم، مشيراً إلى أنّ أكثر من 130 من أصل 145 فقرة «تخالف الموجود».
ولفت قاسم إلى أنّ التوصية تشترط إقرار ميزانيّة كافية تخصّص من الدخل الوطني لتطوير التعليم، أمّا ما يحصل في لبنان فإنّه «يدفعنا إلى التسليم بأنّ البند مشطوب، بعدما انخفضت الموازنة من 22% عام 1974 إلى ما يقارب 8% العام الماضي، وهي مرشّحة للانخفاض أكثر، إذا ما مُرّرت الورقة الإصلاحيّة». وتطرّق قاسم إلى الدورات التدريبيّة واختيار المدرِّبين والمدرَّبين، مشيراً إلى أنّ التوصية تشدّد على ضرورة اعتماد مبدأ التدريب قبل الالتحاق بالمهنة، في حين أنّ الجهات المعنيّة في لبنان «عمدت إلى تعطيل دور كلّية التربية ودور المعلّمين وتغييب برامج إعداد المعلّمين، إضافة إلى الضعف الشديد في التدريب أثناء الخدمة، حيث تقتصر الدورات على أيّام محدّدة ولمجموعة أساتذة معينين». وفي ما يتعلّق بالكادر التعليمي، لفت قاسم إلى «أنّ النظام التعليمي يعاكس التيّار، فبدلاً من اعتماد خطّة تحديد الحاجة في المواد والمناطق يليها التعاقد فمباراة مفتوحة للتأهيل والتدريب والتحاق بالتدريس يتبعها تدريب خلال الخدمة، فإنّ الخطّة المتّبعة في لبنان منذ ما يقارب عشر سنوات هي: تعاقد ــــ تجديد التعاقد، بسبب تغييب نظام التفرّغ، وهذا ما يضرب مبدأ تكافؤ الفرص». وفي ما يخصّ إمكان التقدّم والترقي للمدرّسين «فهو شبه معدوم في القانون، وإذا عُيّن الأستاذ في مرحلة التعليم الابتدائي يبقى فيها، وانتقاله من مكانٍ إلى آخر، يصنّف ضمن خانة الإلحاق أو الانتداب إمّا لفائض في الكادر أو كغطاءٍ سياسي».
ونالت البنود المتعلّقة بالضمان والديمومة والاستقرار الوظيفي الحيّز الأكبر من التوصية، إذ أكّد قاسم «أن لا شيء يوحي بالأمان في مهنة التعليم، فتعاونية الموظّفين، وعلى الرغم من زيادة مساهمة الموظّفين فيها من 1% الى 3% لم يطرأ أي تعديل يذكر على تحسين مستوى التقديمات لجهة الاستشفاء حيث يُلزم الموظّف بدفع 200 ألف ليرة كحدٍّ أدنى لحظة دخوله المستشفى، وإن استدعى الأمر مكوثه لفترة أطول، يتضاعف المبلغ وقد يصل في حدّه الأقصى إلى 4 أضعاف الحد الأدنى لراتب المعلّم الثانوي وضعفي الحد الأدنى للابتدائي والمتوسط. أمّا بالنسبة إلى الرواتب، فتشدّد التوصية على ضرورة توفير الدخل المناسب، واعتماد الأجر الإضافي لساعات العمل الإضافية والزيادات بشكل سنوي، فيما لم يقر القانون اللبناني مبدأ التفرغ ومستلزماته المادية والمعنوية، كما أنّ الزيادات تأتي كل سنتين بدلاً من كل سنة وقد انخفضت من 10% عام 1970 إلى حدود 5% وما دون حالياً.
وقد خلص قاسم إلى أنّ التوصية لن تجد مكانها في لبنان، إذا ما تمّ تمرير الورقة الإصلاحيّة الأخيرة، مستنداً في تحليلاته إلى «أنّ الورقة تتوخّى مزيداً من الاقتصاص من القطاع التعليمي بسبب عدم إنتاجيته»..