صور - امال خليل
يلاحق القضاء عدداً من الجرحى الناجين من مجزرة قانا الثانية (تموز 2006) للاشتباه في تلقّيهم تعويضات لا يستحقونها من الهيئة العليا للإغاثة، بعد إعادة الكشف على الجرحى الذي أجرته الهيئة لعدد من متلقي تعويضات الحرب


«مذكرة جلب إلى القضاء في قصر العدل في بيروت رقم الدعوى: 89\2007
الموجهة إليه الدعوة: محمد علي شلهوب محل إقامته: قانا
يقتضي حضورك إلى هذه الدائرة في الدعوى المقامة من الحق العام بمادة تزوير، واستجوابك فيها بتاريخ 21 أيار 2007».
هذا نص مذكرة الاستدعاء الثانية التي تسلمها محمد شلهوب، أحد الناجين من مجزرة قانا، لاستجوابه حول أحقيته في مبلغ 4 ملايين ليرة ونصف تلقاه من الهيئة العليا للإغاثة، بعد إصابته جراء القصف الاسرائيلي الذي أدى إلى المجزرة.
وكان محمد قد مثل أمام القاضي ميشال روكز في النيابة العامة المالية للمرة الأولى في الثالث من نيسان الفائت، حيث استجوبه لمدة دقيقتين، طارحاً عليه سؤالين فقط، عن حقيقة إصابته والمستشفى الذي عولج فيه. ويذكر أن محمد مقعد منذ ما قبل الإصابة التي تعرّض لها عند حصول المجزرة، مما زاد حالته سوءاً، وهو يملك الوثائق الطبية الكاملة التي تثبت تلقيه علاجاً بعد الإصابة خلال حرب تموز 2006، في مستشفيات صور الحكومي وجبل عامل ومركز لبيب الطبي.
وتجدر الإشارة إلى أن القضاء يستجوب بعض الجرحى بعد تقدم الهيئة العليا للإغاثة بشكوى قضائية للتحقيق مع عدد من المستفيدين من تعويضات حرب تموز، بعد فضيحة الأسماء الوهمية التي وردت في قائمة جرحى الحرب. ويرى المحامي محمد عطية أن استدعاء الناجين من مجزرة قانا الثانية للاستجواب، وهم محمد قاسم شلهوب ومحمد علي شلهوب وهيام هاشم ومنى كمال وابنتها نور، هو إجراء قانوني سليم، لكن المفارقة هي استدعاؤهم للاستجواب للمرة الثانية، وهم: محمد قاسم شلهوب ومحمد علي شلهوب بدعوى التزوير، وهيام هاشم بدعوى الاختلاس والتزوير، ومنى كمال بتهمة التزوير. وأكد أنهم «ليسوا في خانة المتهمين حتى الآن، لكنه لم يخف قلقه من شبهة أو تهمة قد توجه إليهم رغم حيازة كل منهم الملف الطبي الدامغ الذي يؤكد إصابته».
فعلى سبيل المثال، تملك هيام هاشم ثلاثة تقارير طبية: الأول صادر عن مدير مستشفى جبل عامل في صور يوم 13/9/2006، ويفيد بأنها نقلت إلى المستشفى يوم المجزرة. والثاني صادر عن الاختصاصي بأمراض الدماغ والجهاز العصبي الطبيب حسين عبد علي بتاريخ 19 آذار 2007، ويفيد بوجود «نقاط سوداء على الدماغ من أثر الإصابة». أما التقرير الثالث، فصادر عن الاختصاصي بجراحة العظم الطبيب شادي اسماعيل يوم 13/9/2006، ويفيد بتعرضها لإصابات في الفخذ والكتف واليد اليسرى. كما أن الطبيب إسماعيل أجرى لها عملية في يدها وأخرى في كتفها وسيجري جراحة لها لاحقاً في الكتف. كذلك، فإنها لا تزال تخضع لعلاج فيزيائي في مستشفى جبل عامل.
وكان الجرحى الثلاثة قد تلقوا تعويضاً، اعتبره المحامي منخفضاً، من الهيئة العليا للإغاثة التي اعتمدت على نسبة ظهور الإصابة في أجسادهم رغم أن الكشف الذي حدّد قيمة التعويض قد أجري بعد أكثر من خمسة أشهر على حصول المجزرة. فبعد «فضيحة» التعويضات التي يحقق فيها القضاء خاصة في منطقة البقاع الأوسط، أعادت الهيئة العليا للإغاثة الكشف على الجرحى المسجلين في قوائمها، وأرسلت لجاناً طبية إلى المناطق، ومنها منطقة صور التي تألفت لجنتها من الطبيبين عبد الحميد حشيشو ورضوان مشموشي والطبيب العسكري الملازم الأول يوسف الأسطا. ويشتكي الجرحى من أن الفترة الفاصلة بين الإصابة والكشف كانت كافية لالتئام الجروح.
«المشتبه فيهم» الأربعة سيمثلون صباح الاثنين والثلاثاء المقبلين أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت عبد الرحيم حمود وسط ذهولهم وارتباكهم تجاه الغاية الحقيقية للاستدعاء، علماً بأنهم ظهروا على شاشات التلفزيون مباشرة وقت انتشال ضحايا المجزرة. ويضع محمد قاسم شلهوب الذي فقد زوجته وأطفاله الخمسة في المجزرة، الإجراء الرسمي «في إطار معاقبتها وإذلالها لصمودنا خلال العدوان».
أمّا محمد علي شلهوب، الذي نجا مع زوجته رباب يوسف وابنه حسن فيما استشهدت ابنته زينب، وأصبح مقعداً ويتابع علاجاً فيزيائياً يتكبّد تكاليفه الباهظة من جيبه، فإنه مضطر لتحمل مشقة إضافية في الحضور إلى قصر العدل غير المجهز بمعايير هندسية للمقعدين، ولذلك فسيصطحب اثنين من أقربائه لمساعدته على التحرك بسبب تأزم وضعه الصحي. واستغرب استدعاءه للمرة الثانية رغم أن القاضي الذي استجوبه سابقاً قد رأى في أية حالة صحيّة هو.