غسان سعود
أكثرية «الأكثرية» مسيحية... والعلويان الوحيدان منتخبان بأصوات السنّة

ينقسم المشهد السياسي اللبناني، عموماً، بين موالاة تتألف من الطائفتين السنيّة والدرزية، وبين معارضة شيعية ــ مسيحية ــ علوية. ولا تغيّر خطابات المعسكرين وتأكيدات قيادتيهما لوجود شيعة ومسيحيين في صفوف الموالاة، وسنّة ودروز وسط المعارضة، من حقيقة هذه الصورة التي تحوّل طوائف كبرى الى أقليات داخل كتلها.

معارضة سنّية

ففي الطائفة السنيّة ثمة خمسة نواب معارضين من أصل 27 يمثلون الطائفة، وهم أسامة سعد (التنظيم الشعبي الناصري)، عاصم عراجي (الكتلة الشعبية)، كامل الرفاعي وإسماعيل سكرية (كتلة الوفاء للمقاومة)، وقاسم هاشم (حزب البعث).
ولا يجد سكرية، مثلاً، غرابة في موقعه، من منطلق عدم التزامه يوماً عصبية مذهبية. ويؤكد انسجامه الكامل مع زملائه في الكتلة الذين يبادلونه الاحترام ولا يفاضلون بينه وبين سائر النواب. ويقول سكرية إن ما تراكم لديه في ملف الدواء شكّل نوعاً من الحماية في نظرة أبناء طائفته والآخرين إلى شخصه، ونادراً ما يجرؤ أحدهم، بحسبه، على التحدث معه بمنطق طائفي نتيجة هذا الأمر.
وفيما يتّكئ هاشم على رصيد حزب البعث العلماني، يفضّل عراجي عدم الإدلاء بتصريحات إعلامية، ويشدد في اجتماعات الكتلة الشعبية على عدم استفزاز أبناء الطائفة السنيّة واحترام رمزية الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالنسبة إلى هذه الطائفة ولبنانيين كثر، في وقت يشدد فيه أحد قياديي «التنظيم الشعبي الناصري» على أن التنظيم ينطلق من واقع أن تيار «المستقبل» لا يحتكر تمثيل الطائفة السنية.

... وموالاة شيعية

أما شيعياً، فمن أصل 27 نائباً هناك نائبان مواليان اثنان فقط هما غازي يوسف («المستقبل») وباسم السبع («اللقاء الديموقراطي»). ولا يجد النائبان المذكوران ما يقولانه في هذا الموضوع، علماً أن السبع، بحسب مقرّبين منه، يتجنّب منذ أكثر من عام التواجد في بيروت. ويتحدث أحد أصدقائه عن حذره حتى من زيارة منزله في منطقة برج البراجنة، لافتاً الى أن «خطاباته المعارضة للسوريين وحلفائهم اللبنانيين بحدّة تستفز أبناء الطائفة بشدّة». إلا أن الجو السياسي الشيعي العام لا يقارن، بحسب مصادر متابعة، مع ما هو موجود لدى الطائفة السنيّة، إذ إن الأسماء الكبيرة مثل سليم الحص وعمر كرامي وأسامة سعد لا يمكن إيجاد مثلها بين الأسماء الشيعية في صفوف الموالاة، سواء من داخل المجلس النيابي أو خارجه، ما يدفع قوى 14 آذار الى الاستعانة بشخصيات اجتماعية ودينية منعدمة التمثيل، تقريباً، على الأرض.

تمايز درزي وتهميش علوي

وعند الدروز، يتمايز النائب أنور الخليل وسط نواب الطائفة الثمانية في محاولته التوفيق بين الموالاة والمعارضة، على رغم أنه رسمياً محسوب على المعارضة لكونه الأمين العام لكتلة «التحرير والتنمية» التي يرأسها الرئيس نبيه بريفيما هناك وجوه درزية معارضة ذات ثقل من خارج الجسم النيابي، تتمثّل خصوصاً بالوزير السابق طلال أرسلان، إضافة الى الحركة اللافتة للوزير السابق وئام وهاب وحضور النائب السابق فيصل الداوود.
أما المشهد عند الطائفة العلوية، فلا مثيل له في بقية الطوائف. إذ إن النائبين الوحيدين اللذين يمثلان الطائفة، بدر ونوس ومصطفى علي حسين، ينتميان الى تيار «المستقبل» الذي تعارضه غالبية أبناء هذه الطائفة، مؤكدةً أن «نائبيْها» فازا بفضل أصوات المقترعين السنّة، وأن مرجعيتهما في قريطم، ودورهما هامشي جداً في اجتماعات كتلة «المستقبل».

الخريطة المسيحية

وفي المقابل، تبدو الخريطة أكثر غرابة عند المسيحيين، حيث إن أكثر من نصف الأكثرية النيابية (70 نائباً) من المسيحيين (37 نائباً). ويتوزع هؤلاء على كتلة تيار «المستقبل» (17 نائباً)، «اللقاء الديموقراطي» (8)، كتل متنوعة (6)، «القوات اللبنانية» (5)، «الكتائب» (2).
ويؤكد عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب إيلي عون أنه وزملاءه في الكتلة لا يناقشون «مطلقاً القضايا المطروحة من منطلق مسيحي ــ درزي». ويشيد زميله هنري حلو بما يمثله نواب بعبدا ــ عاليه المسيحيون «من حيثية في المنطقة وتاريخ سياسي عريق». لكنه يتردد في الحديث عن الإنجازات التي حققها وزملاءه «بسبب الإمكانات الضئيلة والصعوبات الكثيرة التي واجهت الحكومة». ويلفت من جهة أخرى إلى أن اسم «اللقاء الديموقراطي» يعبّر عن مضمونه، موضحاً أن نواب اللقاء المسيحيين ليسوا أعضاء في الحزب التقدمي الاشتراكي، «ويعبّرون عن آرائهم ويناقشونها بحرية تامة من دون تبعية لأحد».
ويرى أحد نواب «القوات اللبنانية» أن كون غالبية النواب المنضوين في صفوف 14 آذار من المسيحيين «يكشف عن حقيقة التمثيل المسيحي، ويعبّر عن خيارات المسيحيين». ويعدّد النائب الشمالي أسماء بعض النواب المسيحيين متسائلاً: «كيف يُشكّك في صدقية هؤلاء في المجتمع المسيحي»، معتبراً أن السؤال عما قدّموه لمجتمعهم «لا يجوز بسبب الوضع السياسي المضطرب، واضطرار هؤلاء النواب إلى التصدي مع زملائهم من الطوائف الأخرى للانقلابات التي يواظب بعض الأطراف عليها بهدف إطاحة سيادة لبنان وحريته واستقلاله، وهو الثالوث الذي دفع المسيحيون الكثير من أجله».
ويجمع معظم نواب الأكثرية المسيحيين على أن الوقت «لم يحن بعد» لمساءلتهم عمّا قدموه لمجتمعهم، وخصوصاً أن الخطاب السياسي طغى على كل الأمور الأخرى، وهم يعملون لتحقيق إنجازات على أكثر من صعيد، علماً أن «أهم ما يمكن تقديمه للمجتمع المسيحي هو الحفاظ على الحرية والسيادة والاستقلال».
وفي موازاة ذلك، لا تتخطى حصة المعارضة من التمثيل النيابي المسيحي 42 في المئة من مجمل عدد النواب المسيحيين. ويتوزع هؤلاء خارج «تكتل التغيير والإصلاح» الذي يضم 18 نائباً مسيحياً، على كل من الحزب السوري القومي الاجتماعي (2)، كتلة التنمية والتحرير (3)، حزب الله (1)، الكتائب اللبنانية (1)، والنائب المستقل بيار دكاش.
ويكرر النائب في كتلة «التنمية والتحرير» ميشال موسى ما يقوله نواب «اللقاء الديموقراطي» من حيث الحوار الإيجابي بين أعضاء الكتلة، وقدرة كل نائب على تقديم وجهة نظره كاملة ومن دون أي إحراج.
وترى أوساط سياسية أن السؤال الرئيس لا يتعلق بوجود النواب السنّة والدروز في صفوف المعارضة، أو النواب الشيعة في صفوف الموالاة، أو المسيحيين لدى الجانبين، بل في فعالية هؤلاء وتمثيلهم لشرائح واسعة في مجتمعهم، وقدرتهم على الوصول الى المقاعد التي يتربّعون عليها فيما لو كان القانون الانتخابي مغايراً، الأمر الذي يحتاج، بحسب أحد كبار الباحثين الإحصائيين، إلى جواب قبل الانتخابات الرئاسية التي تريد الغالبية النيابية أن يحسمها المجلس النيابي وحده بصفته «معبّراً عن كل مكونات» المجتمع اللبناني.