بعلبك ـ عُبادة كسر
ما دامت كل الكتابات والإيديولوجيات وقرارات الأمم المتحدة والمؤسسات والجمعيات تطالب بتحرير المرأة ونيل حقوقها وتحسين واقعها، فلماذا تبقى المرأة في منطقة بعلبك أسيرة نسق أبوي؟
أظهرت دراسات اجتماعية حقوقية عدة كم مدى حرص المرأة البعلبكية على الحرية الشخصية للشريك، على حساب مشاعرها بالرغم من تعدد أدوات الاضطهاد في حقها (جسدياً ومعنوياً).
عرضت دراسة اجتماعية (الجامعة اللبنانية) واقع المرأة الحقوقي في منطقة بعلبك عبر حالات مختلفة تناولت 100 عينة عشوائية من النساء، غطت تقريباً المنطقة وقراها. تراوحت الأعمار ما بين (20ـــ73 سنة)، وقد أظهر إجمالي الحالات التي استعرضتها الدراسة الصورة النمطية للمرأة المثالية، في صورة يعكسها الوجدان الشعبي الذي تختلط فيه العوامل الأخلاقية والدينية.
ومن بين أهم أسباب الاضطهاد الذي تعرضت له الزوجة (بعلبك) على وجه الخصوص، تعدد الزيجات وانعكاسه على الواقع الاجتماعي للزوجة الأولى للمرأة، والسعي وراء إجبارها على ترك المنزل والتنازل عن حقوقها، أو الرضوخ والرضا والاستسلام للأمر الواقع، «الخضوع والإذعان لشروط زوجي وضغوطاته أتى خوفاً من التعرض للألسن وكلام الناس»، والكلام لفاطمة التي أدى عدم تفهم المجتمع لمشكلتها إلى جعل الزوج يتمادى في ممارسة الضغوط، وكلما ازداد تسلطاً وظلماً، ازدادت التنازلات من جانبها، لذا فهو يلجأ إلى ضربها وطردها من المنزل، وهذه الظاهرة كثيراً ما تحدث مع أغلبية نساء القرى التي تشكل الأغلبية الساحقة في منطقة بعلبك وضواحيها. ولا تستطيع المرأة في المنطقة أن تلجأ إلى القضاء لعدم ثقتها بوقوف القانون إلى جانبها نظراً لغلبة العادات عليه.
وتظهر دراسة أجرتها الجمعية اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة عام 1998 أن اتخاذ الإجراءات ضد المعتدين أقل احتمالاً لدى النساء المتزوجات، وهؤلاء المعتدون هم عادة أزواجهن، وقد جاء في الدراسة المذكورة أن الزواج المبكر وتباين الأعمار بين الزوجين عاملان يزيدان من احتمال التوتر والخلافات.
إما في ما يخص الجرائم التي ترتكب بحق النساء، وخاصة الفتيات اللاتي تعرضن للاعتداء عليهن، وكان المعتدي الأب أو الأخ (سفاح القربى). فمن بين المقابلات التي وردت في الدراسة الأولى، تبين أن حالتين لفتاتين سبق أن تعرضتا لاعتداء جنسي، حيث كانت الأولى تبلغ 9 سنوات من العمر عندما اعتدى عليها والدها، والثانية كانت في السابعة عندما اغتصبها أخوها وما زالت حتى الآن تعاني الظلم والاستبداد والسجن داخل المنزل، بينما الفاعل طليق. ومما يزيد من عذابهن الخوف من نظرات الآخرين المملوءة بالشفقة الظاهرية التي يبديها أهل المنطقة نحوهن، إضافة إلى إلقاء المسؤولية واللوم عليهن وعدم تفهم المجتمع المحلي لمشكلتهن.
ويتخذ القهر الواقع على المرأة في منطقة بعلبك أشكالاً مختلفة «السب، الشتم، الهجرة، الحرمان، طرد من المنزل، ليصل إلى أقصى درجاته عند الضرب». وتمثل الزوجات غالبية ضحايا القهر والاضطهاد الأسري من النساء، وتأتي بعدهن الفتيات والأخوات فالأبناء.
ويرغب الرجل في الهجر والهروب من المسؤولية بسبب تردي الوضع الاقتصادي، أما اللواتي يقدمن دخلهن للزوج برضاهن فلا يرين ذلك اضطهاداً، بل يرينه أمراً عادياً. ومن أهم الأسباب الثقافية وأكثرها تأثيراً على وضع المرأة تتركز في الشك والارتياب في سلوك وأخلاقيات المرأة، ما ينتج منه الخوف من الفضيحة ومن ألسُن الناس والعيب. كما أن هناك علاقة واضحة بين العادات والتقاليد وما يسمى جرائم الشرف ومن بين أهم الأسباب الاجتماعية المؤدية إلى عدم تغيير واقع المرأة الحقوقي في هذه المنطقة يبرز تعدد الزوجات بنسبة لا يستهان بها (40 %) باعتباره مسؤولاً عن انفجار كثير من المشاكل.
وعن العلاقة بين وضع المرأة المتردي وعملها، تبين أن أكبر نسبة منهن ربات بيوت، وأغلبهن من النساء القرويات يقمن بأعمال هامشية إضافة إلى الزراعة وتربية المواشي وعمل المؤن.
أما قضايا التحرش الجنسي فتميزت الأحكام الصادرة على المعتدي بالحبس لمدة 5 سنوات (على الأب)، بينما استمرت حياة الأخ الذي اعتدى على شقيقته دون محاسبة. وبذلك تبقى المرأة سجينة الخوف لا تستطيع اللجوء إلى القضاء لحمايتها خوفاً على سمعتها أو من تهديد المعتدي عليها بالقتل.