جان عزيز
لا تزال أصداء زيارة دايفيد ولش إلى بيروت، وأسرارها، تتردّد في الوسط السياسي اللبناني، الموالي كما المعارض. آخر الترددات ذات الصلة، بعد 72 ساعة على جولة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، تراوح بين تساؤلات عن الشكل كما عن المضمون.
ففي الشكل أولاً ذكرت معلومات أن الزيارة كانت مقررة على مستوى أرفع، بحيث تقوم بها ناظرة الخارجية، كوندوليزا رايس، نفسها. غير أن أسباباً لم تعرف، طرأت في اللحظة الأخيرة، وقضت بحضور مساعدها بدلاً منها. وفي الشكل أيضاً تذكر المعلومات نفسها أن عدم حضور رايس كان قد استُعيض عنه أصلاً بإرسال كل من ولش والمساعد الشخصي للرئيس الأميركي جورج بوش لشؤون منطقة الشرق الأدنى، إليوت أبرامز، ليجولا معاً على السياسيين اللبنانيين في بيروت. وتؤكد هذه المعلومات أن جدول الزيارة الذي أُبلغ إلى السفارة الأميركية في عوكر قبل نحو عشرة أيام كان يتضمن اسمي ولش وأبرامز. والجدول المذكور ظل على هذا النحو حتى الساعات الثماني والأربعين التي سبقت الموعد المحدّد، بحيث تغيّب أبرامز، وحضر ولش وحيداً.
نقطة الشكل هذه، تضيف إليها المعلومات نفسها قراءة أكثر «مضمونية». فتلاحظ أن أبرامز، الذي يعدّ من أبرز مَن بقي من صقور المحافظين الجدد داخل الإدارة الأميركية، كان مقرراً حضوره إلى بيروت، ومرافقته ولش، حين كان جدول الزيارة أكثر اختصاراً واقتصاراً سياسياً. غير أن سعياً حثيثاً قام به أركان السفارة الأميركية في عوكر، واقتراحات رُفعت منه إلى إدارته في واشنطن بتوسيع أجندة اللقاءات، انتهت على ما يبدو إلى تبنّي هذا الرأي، في شكل متزامن مع تغيّب أبرامز واقتصار الوفد الأميركي على زميله الدبلوماسي.
أما لجهة مضمون الزيارة، فتشير المعلومات إلى أن الموفد الأميركي طرح جدياً على كل مَن التقاهم من الموالين مسألة التحضير لاستحقاقين اثنين: أولاً السعي إلى تأليف حكومة لبنانية جديدة بعد استحقاق إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن، في الأسابيع المقبلة. وثانياً الاستعداد العملاني والجهوزية الكاملة لاحتمال الوصول إلى الأيام العشرة التي تسبق انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ليل 23 تشرين الثاني المقبل، من دون حصول انتخاب لرئيس جديد يخلف إميل لحود.
في موضوع الاستحقاق الأول، تؤكد المعلومات أن ولش بدا أمام محاوريه الأكثريين، مكرراً لأفكار مماثلة، كان سفير دولته في بيروت، جيفري فلتمان، قد طرحها عليهم قبل أكثر من أسبوعين. والأفكار المذكورة تتناول إمكان مبادرة قوى 14 آذار بعد إقرار المحكمة تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلى اقتراح تأليف حكومة جديدة، تكون مهمتاها الأساسيتان: تطبيق الآليات التنفيذية لقرار مجلس الأمن الجديد، والتمهيد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وتشير المعلومات نفسها، كما بات معروفاً وذكرته «الأخبار» يوم أمس، إلى أن تداولاً حصل في الأسماء المقترحة لترؤس هذه الحكومة. فكان حديث «مستقبلي» عن تزكية الوزير السابق النائب بهيج طبارة، فيما كان ثمة مسعى أميركي بيروتي، لإضافة اسم رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. وتضيف المعلومات أن هذا البحث ظهر في جولة المسؤول الأميركي، عند محطتها الأولى في قريطم. وفيما ذكر أن النائب سعد الدين الحريري أبدى موافقته على الطرح، شرط أن تتبنّى الحكومة الجديدة برنامج النقاط السبع، وخصوصاً الدعوة إلى معالجة واضحة ونهائية لسلاح «حزب الله»، تردّد أن صيغاً أوليّة للتشكيلة كانت موضع تداول. إن لجهة تركيبة حكومية حيادية، أو لجهة موافقة الحريري على صيغة 17 + 13، أو 13 + 11، في حال موافقة الائتلاف المعارض على البرنامج المقترح للحكومة المقبلة.
غير أن هذه المعلومات لم تلبث أن واجهت بعد تسرّبها، تحفظات ثلاثة أساسية. التحفظ الأول جاء من النائب وليد جنبلاط، الذي صاغ موقفه على طريقته، لجهة إبداء عتب على الموقف الأميركي إقليمياً، كما لجهة تساؤله عن الضمانات الممكنة له شخصياً، في ظل تطوّر الأمور في اتجاهات تسووية كهذه، داخلياً أو خارجياً. أما التحفظ الثاني فجاء من السرايا، حيث تردد أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أعرب عن استياء وامتعاض، لمناقشة موضوع التغيير الحكومي مع سواه، وقبل مفاتحته بالموضوع. وذكر أن نقل هذا الموقف إلى مَن يلزم، هو ما اقتضى تعديلاً في مواعيد اليوم الثاني لولش، بحيث تم تقديم موعد زيارته إلى السرايا واجتماعه بالسنيورة بعد نبيه بري مباشرة. وهو ما اقتضى اتصال رايس هاتفياً برئيس الحكومة، فيما لوحظ بعد ذلك حضور مستشار السنيورة، محمد شطح، لقاءات ولش مع مسؤولين لبنانيين آخرين.
يبقى التحفظ الثالث، الذي تردد أنه فُهم بطريقة الإيحاء، من بكركي. ذلك أن البطريرك الماروني استوضح الآلية المرتقبة للتطورات، بدقة. فإذا كانت مهمة الحكومة الجديدة تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فهذا يقتضي إدراج هذه المسألة، ضمن التسوية الشاملة واللازمة لإنضاجها. أما إذا كان الهدف من حكومة كهذه التحسّب لاحتمال حصول شغور رئاسي، فإن بكركي لا ترتاح إلى سابقة نقل صلاحيات الرئاسة الأولى إلى حكومة برئاسة شخصية سنية، لا شخصية مارونية، كما حصل في سابقتي 52 و88.
بعد هذه الجولة والجوجلة، زار ولش وزارة الدفاع في اليرزة، وخرج كلام لقائد الجيش العماد ميشال سليمان، يؤكد عدم استعداده لترؤس حكومة انتقالية، إلاّ في حال حصول توافق وطني على ذلك...