ثائر غندور
جمع عدد من طلاب الصف العاشر (الثانوي الأول) عبوات «Tip Ex» من زملائهم في الصف. أفرغوا محتوياتها في قنينة زجاج فارغة،وأضافوا إليها بعض المحارم و «قداحة» وورقة ثم أشعلوها ورموها باتجاه المعلمة

يشرح مصطفى كيف صنع زملاؤه قنبلة «المولوتوف» ورموها في الصف، لأن أحدهم لم يكن في مزاج يسمح له بمتابعة صف اللغة الإنكليزية. ذُهلت المعلمة، ولم تدرِ ماذا تفعل. جلست على كرسيها وفتحت باب الصف وبقيت صامتة حتى مرّ مدير الثانوية. بدأ المدير تحقيقاته، لكنه لم يصل إلى نتيجة، «فالكل ينكر، ولا أحد يستطيع أن «يُفسّد» على الفاعلين لأنه سيتعرّض للضرب» يقول مصطفى، ويضيف: «وكانت النتيجة أن طُرد جميع طلاب الصف لمدة أسبوع».
حصلت هذه الحادثة منذ حوالى الأسبوعين في إحدى الثانويات التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). ليست هي المرّة الأولى التي يشعر فيها مصطفى بأنّ موقعه ليس في هذه الثانوية، حيث تنتشر العصابات بالمعنى الحرفي للكلمة. فسيارة قوى الأمن الداخلي، تتخذ من مدخل الثانوية مركزاً يومياً لها، حتى لا تتفجّر الخلافات وتصل إلى اطلاق النار أو الضرب بالسكاكين. فالطالب الذي لا يدخل في واحدة من هذه العصابات، «يصبح بلا ظهر يحميه في حل المشاكل». يمثل الانتماء إلى المخيم عاملاً أساسياً في تشكّل هذه العصابات، «يتجمّع أبناء كل مخيم في حال حصول إشكال لنصرة ابن المخيم حفاظاً على صيت هذا المكان». ويميّز طلاب مخيّم برج البراجنة أنفسهم عن أبناء مخيم شاتيلا، «لأنه أكبر».
تترافق «الشللية» في مدارس الأنروا مع حماية من خارج المخيمات لـ«المشاغبين»، وخصوصاً حركتي حماس وفتح، إذ إنّ عدداً من الطلاب يحرسون في مراكز وحواجز هذين الفصيلين، «إلى درجة أنّ الأستاذ لا يستطيع أن يوجّه ملاحظة للطلاب خوفاً على مصيره»، يقول مصطفى ويسكت قبل أن ينتفض قائلاً: «يا أخي الطالب اللي يحترم الأستاذ بيندعس راسو، واللي ببهدل الأستاذ لا يستطيع أحد أن يُكلّمه». يصل والد مصطفى في اللحظة التي يبدأ فيها الشاب بالحديث عن الصبية التي أعجبته ولم يجرؤ على التقرب إليها، «لأنّها تتكلم مع شباب كتير وأخاف أن يكون أخوها في المدرسة فيحصل إشكال». «بدك تحكي مع بنت يعني» يقول له والده ممازحاً، فيخجل مصطفى قبل أن يردّ: «مثل رفيقة أو أخت يعني». كلمة «أخت» تتكرّر كثيراً على لسان مصطفى، «فهي الشرف بالنسبة إلى الأغلبية»، يمكن أن تشتمه ولا تقترب من أخته. حتى إنّ إشكالاً كبيراً حصل بين عدد من الطلاب استخدمت فيه السكاكين، على خلفية شتم أحدهم لأخت الآخر، الذي ما عندو أخت».
ويشير مصطفى إلى التجمّعات في الحمامات، «وعندما يصل الناظر يصرخ أحدهم: كبسة». فهو لم ير زملاءه يتعاطون الحشيشة أو «حبوب الهلوسة»، لكنه يسمعهم يتحدثون عنها. ويلفت بعض الأساتذة إلى أنّ الطلاب يكونون أحياناً «غير طبيعيين، كأنهم يتعاطون المخدرات أو يعاقرون المشروب». ويتحدث أحدهم عن زميل له بقي في الصف بعد انتهاء الدوام، «لأنه خائف من أحد الطلاب الذي هدده بالضرب خارج المدرسة». ويشير صديق مصطفى إلى حادثة جرت منذ أشهر عدة، عندما أدخل أحد الطلاب مسدساً صوتياً معه إلى الصف، فاكتشفت الإدارة الأمر واتصلت بوالده، الذي أخذ المسدس ثم مررّه سرّاً لابنه الذي ما لبث أن أطلق النار عندما انتهى اليوم الدراسي. وهنا يلفت مصطفى إلى انقطاع التواصل مع الأهل، فعندما تطلب الإدارة من الطالب إحضار أهله يجيب بعدم قدرتهم على المجيء ويتصل أحد أصدقائه بالإدارة بدلاً من الأهل.
بدورها، تصف حنين مشهد «هجوم الصبايا على الشباب المطرودين بسبب «المولوتوف» بيوم الحشر». «فهنّ يرَيْن فيهم أبطالاً، إذ يستطيعون أن يفعلوا ما لا يستطعن الصبايا فعله». يقاطع مصطفى: «التصقن بالشباب كأنهم حرّروا القدس، يسألن كل واحد منهم عن دوره»، يصمت قليلاً قبل أن يقول: «لديهم قدرة عالية على بناء العلاقات مع البنات، لدرجة أنهم يقومون بعلاقات في المدرسة»، ولدى سؤاله عن ماهية العلاقات يردّ: «يلتصقون ببعض في زاوية من الزوايا وفهمك كفاية».