جوان فرشخ بجالي
تختبئ في حنايا كنائس العصور الوسطى جدرانيات تروي تاريخ فن أتقنه أهل جبل لبنان منذ أكثر من 800 عام. ولكن الزمن والإهمال والجهل عوامل أدت إلى تدمير جزء كبير منها. أخيراً أنشئت «جمعية المحافظة على جدرانيات الكنائس القديمة في لبنان» التي ستسعى لتوفير الأموال لترميمها وتنظيفها. المهمة صعبة والهدف هو الحفاظ على ما بقي من هذا الإرث الثقافي والفني المحلي


تحت شعار «أنقذوا جدرانيات لبنان» أسس العلماء المتخصصون في شؤون الأيقونات ومحبّو هذا الفن جمعية تُعنى بالحفاظ على هذا الإرث الثقافي والفني وأُطلق عليها اسم «جمعية المحافظة على جدرانيات الكنائس القديمة في لبنان». وقد باشرت هذه الجمعية عملها السنة الماضية، فساهمت في إيفاد خبراء قاموا بتنظيف وتثبيت جدرانيات كنيسة سيدة نايا في كفرشليمان في جرد البترون.
وقد أحصت الجمعية عشرين كنيسة لا تزال تحتفظ ببعض جدرانياتها، وشاءت الصدف أن تقسم هذه الكنائس بالتساوي بين الطائفتين المارونية والأرثودكسية، وهي تتوزع بين أقضية جبيل والبترون والكورة وبشري.
وكانت هذه الرسوم في العصور الوسطى تغطي كل جدران الكنائس، وهي تصور مشاهد من الكتاب المقدس العهد القديم والعهد الجديد ومن لوحات لقدّيسين أو لمريم العذراء أو للسيد المسيح. ما يميز هذه الجدرانيات التي تتبع التقويم البيزنطي في الرسم أنها من صنع رسامين محليين عرفوا قواعد الرسوم البيزنطية ولكنهم كانوا لا يملكون دقة رسامي كبرى مدن الإمبراطورية ومهارتهم. وهذا بالتحديد ما يعطي هذه الجدرانيات أهمية خاصة بها وبلبنان. فهي شاهدة على حقبة تاريخية وعلى عادات وتقاليد دينية.
يلقى عمل «جمعية المحافظة على جدرانـــــــــــيات الكنائس القديمة في لبنان» رواجـــــــــاً ودعــــــــماً كبيراً من الأوقاف المسيــــــحية التي تحاول مـــــــــساعـــــــــدة أعضاء الجمعية على إيجاد الأموال اللازمة لترميم الجدرانـــــياتوتشرح رئيسة الجمعية راي جبر معوض أن «ترميم الكنائس يتم على مرحلتين. الأولى هندســـيـــــــــة بحيث تُدعّم وتُقـــــــــوّى جدران الكـــــــــــنائس وتُحلّ مشكلة الرطوبة وتســـــــرّب المياه. أما المرحلة الثانـــــــــية فـــــــــتُخصص لتنظيف الجدرانيات وتثبيتها وترميمها إن دعت الحاجة». ولكن لبنان يفتقر إلى مختصين محترفين في هذا النوع من الترميـــــــم، لذا ترتفع كلفة مشروع ترميم الجدرانيات. فهذه الرسوم تتبع تقنية «فريسك» fresque التي تتميز من غيرها بالرسم على الجدران الرطبة المطلية حديثاً، وهذه التقنية صعبة جداً وتـــــــــتطلب مهارة عالية من قبل الرسامين. والجدير بالذكر أن طريقة الرسم هذه لم تعد متبعة في لبنان فيما تزيّن جدران كبرى القصور والكنائس الأوروبية.
يُذكر أن أي «تعامل» غير علمي مع الجدرانيات يجعلها مهددة بخطر الزوال. فهي في وضع ثابت على رغم مرور الزمن، ولكن، إن أضيفت إليها مواد جديدة، قد تتفكك المواد القديمة وتصبح عملية الترميم عملية تدمير للجدرانيات. لذا، تفادياً لأي «خطأ» درامي، لا تتعامل الجمعية إلا مع الخبراء الأوروبيين ذوي الخبرة الطويلة بهذا النوع من الجدرانيات، ويحضر الخبراء فقط لإنجاز المهمة الموكلة إليهم. وتقول معوض «إن قيمة ترميم جدرانيات الكنيسة الواحدة تبلغ ما بين 25000 و35000 ألف دولار أميركي، وذلك خلال فترة تراوح بين 6 و8 أسابيع».
وتعاني الجمعية صعوبة في إيجاد المبالغ الكافية لترميم كنائس الطائفة الأرثودكسية بعدما تبرعت جمعية فيليب جبر بترميم جدرانيات كنيسة مارونية كل سنة. واللافت للنظر هو عدم مشاركة الدولة اللبنانية في هذه الحملة مع العلم بأن كل هذه الكنائس مصنفة على لائحة الجرد العام، وبحسب قانون الآثار فإن على المديرية العامة للآثار تغطية تكلفة الترميمات أو على الأقل جزء منها.
الجهل عدو الجدرانيات الأول
أهالي القرى التوّاقون الى «تنظيف وترميم» كنائسهم القديمة غالباً ما يزيلون جدرانيات عمرها مئات السنين «لأن ألوانها باهتة» أو لتنظيف الحجر. وعدد «ضحايا» عمليات ما يسمى الترميم مرتفع نسبياً مقارنة مع عدد الكنائس التي حافظت على الجدرانيات. وهذا الوضع يدفع أعضاء الجمعية للعمل بشكل أسرع. فهم يحاولون توفير الأموال الضرورية لتنظيف كنيسة سيدة الخرايب في كفرحلدا خلال موسم الصيف المقبل، وذلك بعدما تكفل وقف القرية بترميم الكنيسة. والجدير بالذكر أن إضافة تسمية «الخرائب» على اسم هذه الكنيسة إنما «هو لسبب تاريخي» كما تشرح معوض «فقد كانت جزءاً من قرية كفرملكون المذكورة في النصوص العثمانية في القرن السادس عشر، ولكن لسبب ما هُجرت القرية وبدأت الأبنية بالتفكك ومن ثم أصبحت خراباً... ومن جملة ذلك كانت الكنيسة التي اعتاد الناس لاحقاً تمضية الوقت في غرفتها الأساسية وإشعال النار فيها للتدفئة».
ولم ينتبه هؤلاء الزائرون إلى الرسوم التي تغطي جدران الكنيسة والتي أخفى بعضاً منها سواد الدخان. وتتميز جدرانيات «سيدة الخرائب» بجمالها ودقة رسمها الذي يظهر على وجوه الملائكة على رغم الأوساخ المتراكمة عليها.
وتقول راي جبر معوض إن «اختيار سيدة الخرائب يأتي كتكملة لعملية ترميم كنيسة كفرشليمان التي لا تبعد كثيراً عن كفرحلدا»، ذلك لأن الجمعية تحاول عبر هذه الترميمات إيجاد دورة سياحية جديدة في المنطقة تساهم في إنعاشها اقتصادياً. ولا ينفرد لبنان بجدرانيات القرون الوسطى في منطقة الشرق الأوسط، فهي تكثر في قبرص وفي كابادوسيا في تركيا وفي بعض الأديرة في سوريا. والجدير بالذكر أن قبرص وتركيا تعتبران هذه الرسوم جزءاً من هويتها التاريخية وتروّج لها سياحياً، ضمن برامج السياحة الدينية. وفي لبنان أكثر من عشرين كنيسة يمكن إدراجها في الخريطة السياحية والتسويق لها. وكل ذلك ممكن إن تمت عملية الترميم بشكل علمي يحفظ الجدرانيات ويظهر جمالها، ويعتبر ذلك عملية إنقاذ لأحد أوجه التراث الثقافي والفني في لبنان، وتوفير الدعم اللازم لهذا المشروع هو بمثابة العمل للمحافظة على أحد وجوه الوطن التاريخية.







في يوم التراث الوطني... الزوّار قلّة المؤسسة الوطنية للتراث هي من بادر إلى تنظيم هذا «الحدث» السنوي، ولكنها، ولسبب ما، لم تشأ العمل به هذه السنة. فتنافست كل من وزارتيْ السياحة والثقافة في التحضير له. أعلنت الأولى نهار أمس «نهار التراث الوطني» وفتحت أبواب المتاحف والمواقع، بينما قررت الثانية إنشاء برنامج لـ«اليوم الوطني للتراث» يبدأ اليوم ويستمر حتى أوائل حزيران وذلك بالتعاون مع عدد من الجمعيات الأهلية العاملة في هذا الإطار. وحدث كل هذا من دون أي تنظيم بين الجهتين، ومن دون إعلانه بشكل موسّع، فلم يتعدَّ عدد زوار المتحف والمواقع الأثرية 700 زائر. وكان عدد زوار كل موقع يزيد على 4000 في السنوات الماضية.
تجارب الســـــنوات الماضية كانت «مؤلمة»، لذلك تهيّأ العاملون في المتحف الوطني جيداً لينظموا عمليات دخول آلاف الزائرين وخروجهم... ولكن لم يتعدَّ عدد الآتين 300 تلميذ جالوا في قاعات المتحف بين التاسعة والحادية عشرة قبل الظهر.
وحضرت أمس أمّهات برفقة أولادهن، وقد تعرفن في زيارة خاطفة بحضارات كنّ يدرّسنها لأولادهن. وكان هناك أيضاً لبنانيون مغتربون، زاروا سابقاً متاحف أستراليا فقرروا أن يقصدوا المتحف الوطني في بيروت «فور عودتهم إلى لبنان»...
القاسم المشترك بين كل هؤلاء الزائرين معرفتهم المتأخرة جداً بقيام يوم التراث في هذا التاريخ بالذت.
وهذا ما يفسر قلة عدد الزيارات للمواقع الأثرية إذ كان اليوم شبه عادياً. فموقع جبيل هو الوحيد الذي لحظ بعض الحركة ووصل عدد التلامذة الى 300 فيما كان في السنة الماضية 3000. أما في قلعة طرابلس فكان عدد الزوار «ضئيلاً جداً» ولم يصل الى مئة، خلافاً لما كان عليه الأمر السنة الماضية حينما وصل العدد الى 2500 زائر. أما في صور وبعلبك (حيث يُدفع أعلى رسم دخول موقع أثري في لبنان: 10.000 ليرة لبنانية) فـ«لا حياة لمن تنادي» إذ لم يزرها أحد.
في السنوات الماضية، كان العاملون في المتحف أو المواقع الأثرية يشكون من عدم قدرتهم على تلبية أعباء «يوم التراث الوطني» وإدارة عمليات دخول الزوار وخروجهم. فكان التلامذة يركضون بين الآثارات ويقتلعون الأزهار، ولا يعرف أساتذتهم كيف يلفتون انتباههم إلى ضرورة احترام النظام. والجدير بالذكر أن المؤسسة الوطنية للتراث لم تكن توفّر مرشدين سياحيين في المواقع ليشرحوا أهمية هذه الآثار للصغار والكبار، فاعتاد الزوار القدوم الى المواقع والتقاط الصور قبل المغادرة.
أما هذه السنة، فقد حاولت الجمعيات الأهلية تطوير برنامج زيارات كامل الى المعالم الأثرية والدينية والقصور القديمة في مختلف المناطق اللبنانية (من الشمال الى الجنوب وكسروان والبقاع)، على أن تتكفل وزارة الثقافة بكل مصاريفه.