strong>صار نصاب الثلثين هو المرشح الأقوى، لأنه المشكلة. منذ أول انتخاب لأول رئيس عام 1926، لم يلتئم البرلمان مرة بلا ثلثي نوابه: قبل 1982 احتسب نوابه جميعاً، وبعده نوابه الأحياء. لكن القاعدة هي الثلثان. بعد انتهاء الحرب عاد احتساب المقاعد. مذ اندلعت أزمة النصاب للمرة الأولى عام 1970، والثلثين عام 1976، راحت هيئة مكتب المجلس برئاسة رئيس المجلس تقرّر: تطبيق نص المادة 49. ليس عُرفاً بل نص صريح، ومورس كذلك. ولأنه نص، انتظرت انتخابات 1976 ثلاث ساعات كي يكتمل ثلثاها، وانتخابات 1982 ساعتين ونصف ساعة كي يكتملا، وانتخابات 1988 التي لم يكتملا. وسيكونان نصاب انتخابات 2007

نقولا ناصيف



ذات يوم كادت المادة 73 من الدستور تجعل رئيساً لمجلس النواب رئيساً للجمهورية. هو الشيخ محمد الجسر. على أبواب خلافة شارل دباس أول رئيس للبنان، عام 1932، تنافس زعيمان مارونيان كانا أول مَن افتتح البغض السياسي الماروني ــــ الماروني، هما إميل إده وبشارة الخوري على المنصب. كانا ترأسا في وقت سابق الحكومة، ثم أضحى الصديقان المحاميان ــــ وقد تدرّج ثانيهما في مكتب الأول عام 1912 ــ وجهاً لوجه. حدّة المنافسة حملت إده على طرح مناورة لم تتكرّر: انتخاب الجسر رئيساً للجمهورية في انتخابات تنتهي مهلتها الدستورية في 27 أيار 1932. ولأن المواجهة بين إده والخوري، كان ثمة نواب موارنة حلفاء لإده أيدوا ترشيح الجسر، وآخرون حلفاء للشيخ بشارة حضّونه على المضي في المعركة. رفض الإنتداب الفرنسي انتقال المنصب إلى مسلم. تمسّك رئيس المجلس بترشيحه، فأخّر دعوة مجلس النواب إلى الإنعقاد في المهلة الدستورية، آملاً في الحصول على تأيييد الغالبية الضرورية لانتخابه.
انتبه الخوري إلى مغزى مناورة إده، وهي انسحابهما معاً للجسر، فرفض العرض. وقبل أن يصل النواب إلى 16 أيار، اليوم العاشر الذي يسبق نهاية ولاية دباس، تدخّلت سلطات الإنتداب في 9 أيار، قبل سبعة أيام من اليوم العاشر، بأن علّقت الدستور وحلت مجلس النواب والحكومة، وأبقت دباس في منصبه تعييناً، بعدما كان أعيد انتخابه عام 1929 لولاية ثانية. استمر تعليق الدستور حتى ما بعد انتخاب إده رئيساً عام 1936.
وهكذا، للمرة الأولى، لم يُدعَ النواب لانتخاب رئيس الجمهورية في المهلة الدستورية. لم يُنتخب إده ولا الخوري، وفقد الجسر رئاسة مجلس النواب.
تضع المادة 73 في يد رئيس المجلس صلاحية تأمين الإنتقال الدستوري، قبل شهر على الأقل وشهرين على الأكثر من نهاية ولاية رئيس الجمهورية، بدعوة النواب إلى انتخاب رئيس خلف. وهي مقتبسة من المادة الثالثة من القانون الدستوري الفرنسي الصادر في 3 تموز 1875، مع فارق أن النص الفرنسي يُلزم مجلسي النواب والشيوخ الإجتماع حكماً في اليوم الخامس عشر الذي يسبق نهاية الولاية، بينما يحدّد النص اللبناني اليوم العاشر.
لكن الأبرز في المادة 73، أنها لا تنيط بأي مرجعية دستورية أخرى، ولا رئيس الجمهورية، دعوة المجلس إلى الإلتئام متى تلكأ رئيس المجلس، في الشهر الأخير، في استعمال هذه الصلاحية. بل تضع المبادرة في يد المجلس وحده. يلتئم حكماً في اليوم العاشر من دون دعوة رئيسه. وفي ذلك هدف واضح: تقييد رئيس المجلس بحدود الصلاحية المعطاة له، ومنعه من التلاعب بالمهل، وجعل الصلاحية مكمن قوته وضعفه في آن. افترض الدستور حصول شغور في رئاسة الجمهورية، أو تعذّر انتخاب خلف للسلف. فألزم النواب الإجتماع الحكمي للإنتخاب قبل عشرة أيام من نهاية الولاية، كيلا يستغل رئيس المجلس صلاحية الدعوة، فيؤخر توجيهها أو تحديد موعد الجلسة حتى اليوم الأخير من نهاية الولاية، للإستئثار بقرار الإستحقاق.
لم يكن بين رؤساء البرلمانات المتعاقبين، منذ ما بعد الإستقلال، مَن تلكأ في دعوة مجلس النواب إلى الإنعقاد، أو عطّل اكتمال نصاب جلسة الإنتخاب. ولم يكن بين هؤلاء مَن يمسك بنصاب ثلثي مجلس النواب الذي كان ملك يديّ رئيس الجمهورية. وما خلا مرتين أخفقتا، فإن أياً من جلسات انتخاب رئيس الجمهورية لم تجبه قرار تعطيل نصاب الثلثين لانعقادها: أولاهما انتخابات 1976 التي قاطعها 29 نائباً لعجزهم عن إيصال مرشحهم ريمون إده إلى الرئاسة. تزعمت المقاطعة كتل كمال جنبلاط وريمون إده وصائب سلام وعاليه وبعلبك ــــ الهرمل ونواب مستقلون. وثانيتها انتخابات 1982 التي قاطعها 30 نائباً لسبب معاكس، هو عجزهم عن منع انتخاب بشير الجميل، وتزعمتها كتل سليمان فرنجيه وصائب سلام ورشيد كرامي وبعلبك ــــ الهرمل وجبهة النضال الوطني ونواب مستقلون، إلى شخصيات معارضة من غير النواب كوليد جنبلاط ونبيه بري.
وباستثناء عادل عسيران الذي جاءه انتخاب فؤاد شهاب عام 1958 على طبق أميركي ــــ مصري، كان لكل من رؤساء المجالس قصة مع الإستحقاق والمادة 73، وضعته في واجهة الحدث.
أولهم أحمد الأسعد الذي وقع نائباً عام 1948 تعديل الدستور لتجديد ولاية الشيخ بشارة مع 45 نائباً آخرين، فوجد نفسه في صفوف المعارضة التي طعنت في «شرعية الولاية الثانية».
في اليوم التاليين لاستقالة بشارة الخوري في 18 أيلول 1952، تداول سياسيون ترشيح رئيس الحكومة الإنتقالية قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب لرئاسة الجمهورية، لكنه رفض. ذهب إليه أحمد الأسعد باسم بعض هؤلاء يستمزجه رأيه، فأجابه: ماذا يقول الكتاب؟. كانت تلك المرة الأولى التي يستخدم فيها شهاب العبارة. استوضحه المقصود، فردّ: ماذا يقول الدستور؟ قال أحمد الأسعد: دعوة النواب إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. عندئذ طلب منه قائد الجيش توجيه الدعوة، مكتفياً بدوره رئيساً للحكومة الإنتقالية لتأمين انتخاب خلف للرئيس المستقيل. بعد خمسة أيام انتخب كميل شمعون.
كانت ثمة تجربة مختلفة لكامل الأسعد، رئيس المجلس وإبن أحمد الأسعد. على أبواب انتخابات 1964 ذهب إلى شهاب يسأله هل يريد تجديد ولايته. وبدا السؤال يستفزّ الأخلاقيات السياسية التي طبعت سلوك الرئيس وعهده. فامتعض. كانت تلك سابقة «الإستئناس»، وقد أطلق العبارة نائب جزين جان عزيز. رغب الأسعد ـ وقد توافرت غالبية نيابية تجاوزت الثلثين إلى 79 نائباً مؤيدة تجديد الولاية، في انتزاع موقف من شهاب يقول إنه يريد تجديد الولاية ما دام يتعيّن عليه أن يوافق هو على اقتراح الغالبية تعديل الدستور. وسرعان ما ردّ الرئيس في جلسة مجلس الوزراء، في 3 حزيران 1964، تمني الغالبية النيابية رافضاً التجديد.
رمى استئناس الأسعد إلى تدوين سابقة تعزّز موقع رئيس المجلس في توجيه انتخابات رئاسية، هي انتزاعه من رئيس الجمهورية رغبة شخصية وسياسية في طلب بقائه في السلطة. لم يكن شهاب الرجل المناسب لفخ وقع فيه قبله الشيخ بشارة، وبعده الياس الهراوي وإميل لحود.
في انتخابات 1970، وُلدت للمرة الأولى أزمة النصاب. تنافس سليمان فرنجيه والياس سركيس على المنصب. في الدورة الأولى من الإقتراع حصل سركيس على 45 صوتاً، وفرنجيه على 38. ولأن أحدهما لم ينل الثلثين انتقلا إلى دورة اقتراع ثانية. إبانها لاحظ ريمون إده أن عضو كتلته أحمد إسبر خالف قرار الحزب التصويت لفرنجيه بأن اقترع لسركيس. فأسقط ورقة زائدة على عدد النواب المقترعين الـ99، مما اضطر رئيس المجلس صبري حمادة إلى إلغاء الإقتراع. في الدورة الثالثة حصل فرنجيه على 50 صوتاً وسركيس على 49.
رفض حمادة إعلان فوز فرنجيه بفارق صوت واحد، لأن الأصوات الـ50 لا تمثل الأكثرية المطلقة من عدد النواب التي هي 51 صوتاً. رفع الجلسة للتشاور وغادر إلى مكتبه. كاد موقفه يتسبب بمجزرة بسبب تدفق مسلحين زغرتاويين كانوا ينتشرون في باحة المجلس إلى داخل القاعة، بينما أصرّ نواب الحلف الثلاثي وكتلة الوسط على إعلان فوز مرشحهم. اتصل حمادة بشهاب، المعتزل في جونيه، فطلب منه إعلان الفوز. كانت هزيمة الشهابية إيذاناً بانهيارها.
لكن نصاب الثلثين في انتخاب الرئيس بات ذا مغزى خاص منذ انتخابات 1976، بأن أضحى أداة مواجهة سياسية على الإستحقاق. دعمت سوريا والجبهة اللبنانية سركيس، وكمال جنبلاط على رأس الحركة الوطنية وياسر عرفات ريمون إده لجلسة 8 أيار 1976. لكن عرفات، بتواطؤ مكتوم مع دمشق، خدع جنبلاط وأخلّ بتعهّد قطعه له، هو قصفه محيط قصر منصور لمنع النواب من حضور الجلسة. لم يفعل، فاكتمل نصاب الثلثين. مهّد الأسعد للجلسة باجتماع هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل في 5 أيار، خلص إلى اعتبار الثلثين نصاب انعقاد الجلسة. وفي حمأة حرب السنتين، تخوّف نواب من إمكان عدم اكتمال نصاب الثلثين لافتتاح الجلسة، آخذين بإصرار سوريا على فوز سركيس. لكن الأسعد أصر على الثلثين، واتخذ قراراً استند إلى الحيثية الآتية: «(...) تبيّن للمجتمعين بعد الدرس أن اشتراط المشترع نيل المرشح أكثرية الثلثين من أعضاء المجلس النيابي في الدورة الأولى، يفترض حضور ثلثي أعضاء المجلس على الأقل من أجل إمكان عقد الجلسة والشروع في الإقتراع».
افتتحت جلسة انتخاب سركيس بـ 67 نائباً، بزيادة صوت على نصاب الثلثين، ثم ارتفع العدد إلى 68، وانتخب سركيس من الدورة الثانية بـ66 صوتاً من 69 نائباً حضروا الجلسة.
تكرّرت مشكلة النصاب في انتخابات 1982، في ظل الإجتياح الإسرائيلي للبنان. كان بشير الجميل قائد القوات اللبنانية المرشح الوحيد والأقوى. بدت المشكلة نصاب التئام الجلسة، لا نصاب الدورة الثانية من الإقتراع، وقد ضَمَنَ بشير أصوات الفوز. استعاد الأسعد الموقف نفسه في اجتماع هيئة مكتب المجلس ولجنتي الإدارة والعدل والنظام الداخلي في 16 آب 1982، فخلصت إلى قرار اعتبر الثلثين نصاب انعقاد جلسة الإنتخاب. وإذ أخذت بقرار سابق لمجلس النواب عام 1980 استناداً إلى فتوى جورج فيديل احتساب نصاب المجلس بالنواب الأحياء لا عدد المقاعد، وكان عدد النواب أخذاً بالتناقص اغتيالاً أو وفاة، تقرّر نصاب ثلثي النواب الأحياء 62، والأكثرية المطلقة للفوز من الدورة الثانية 47 صوتاً. كان قد توفي خمسة نواب، وأضحى عدد الأحياء منهم 94. في 23 آب انتخب بشير من الدورة الثانية بـ57 صوتاً.
بعد ست سنوات، عام 1988، المشكلة نفسها. عادت سوريا هذه المرة صاحبة القرار. في 16 آب 1988 ترأس رئيس المجلس حسين الحسيني اجتماع هيئة مكتب المجلس ولجنتي الإدارة والعدل والنظام الداخلي. وبضغط من سوريا التي كانت تريد انتخاب فرنجيه وفرضه امراً واقعاً على خصومها المسيحيين، طرح زاهر الخطيب، معوّلاً على رأي سابق لوالده أنور الخطيب، اعتماد نصاب الأكثرية المطلقة لانعقاد جلسة الإنتخاب بغية التيقن من التئامها وانتخاب فرنجيه، وكان الخلاف السوري ـ الأميركي على لبنان في ذروته. تباينت الأراء بين احتساب عدد النواب الذين يتألف منهم المجلس قانوناً، وعدد النواب الأحياء. اقترح الحسيني إعتبار آخر تمديد للمجلس عام 1987 نصاب عدد أعضائه، أي 79 نائباً، واحتساب الثلثين بناء على هذا الرقم تفادياً لتكرار ما كان رافق انتخابات 1982 بتعرّض نائب لمحاولة اغتيال هو حسن الرفاعي، بهدف انقاص نصاب النواب الأحياء. لم يأخذ الإجتماع برأي الحسيني تثبيت النصاب عند عدد جامد للنواب الأحياء حماية للإثنين معاً، فكان أن أقرّ رئيس المجلس نصاب النواب الأحياء، على أن يكون نصاب انعقاد الجلسة الثلثين. كان الرأي أن النواب، لا المقاعد، هم الذين يقترعون.
لم يرق الأمر لدمشق التي كانت قد أبلغت إلى الحسيني وثوقها من اكتمال نصاب الأكثرية المطلقة لانتخاب فرنجيه إذا أقرّ ـ وقد ألحّت ـ وأن ثلاثة من نواب الشرقية مقيمون في بيروت الغربية سيظهرون في الجلسة لإكمال نصاب الأكثرية المطلقة. لكن القرار كان مناقضاً لهذه المشيئة: 53 نائباً يشكلون الثلثين، و40 نائباً هم الأكثرية المطلقة. دُعي مجلس النواب إلى الإنعقاد في 18 آب في قصر منصور. حضر 38 نائباً، واحتجزت القوات اللبنانية آخرين، فلم يكتمل الثلثان، وطار انتخاب فرنجيه. دعا الحسيني إلى جلسة ثانية في 22 أيلول، قبل 24 ساعة من انتهاء ولاية أمين الجميل، فلم يكتمل النصاب مجدداً. أحجم النواب هذه المرة، بسبب الإنقسام الداخلي وخطورة التنقّل، عن الإجتماع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق نهاية الولاية وفقاً للمادة 73 من الدستور، دونما حاجة إلى دعوة من رئيس المجلس. فدخلت البلاد منتصف ليل 23 أيلول 1988، للمرة الأولى في تاريخ لبنان، في فراغ دستوري.
بنصاب ثلثي النواب الأحياء انتخب المجلس، من غير قرار مماثل لهيئة مكتب المجلس نظراً إلى ظروف الحرب، رينه معوّض والياس الهراوي من الدورة الثانية للإقتراع. كان الثلثان قد بلغا أسوأ رقم هو 48 نائباً.




بري: الثلثان نصاباً نصّاً وعرفاً وممارسة
الدعوة التي وجهتها إلى النواب إلى جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في 25 أيلول، هل هي سياسية أم رسمية؟
ــــــ لا فرق بين الاثنين، لأن المردود سياسي. وبحسب الأصول لا بدّ أولاً من توجيه دعوة للانتخاب ثم توجيه دعوة تحدّد موعد الجلسة. وهذا الأمر أنجزته على مرحلتين عندما قلت إن الجلسة ستنعقد يوم 25 أيلول، في اليوم الأول من المهلة الدستورية، ثم قلت لاحقاً إن الجلسة تقع يوم الثلاثاء، في تمام الساعة العاشرة والنصف من نهار 25 أيلول. وهكذا أكون استكملتُ المرحلتين، وتالياً فهي دعوة رسمية. يبقى أن تتولّى دوائر المجلس قبل مدة معقولة توجيه برقيات إلى النواب بحسب الأصول.

  • إذاً الدعوة نهائية؟
    ــــــ طبعاً.

  • هل الدعوة مرتبطة بالنصاب أم بالانتخاب؟
    ــــــ ليس هناك تمييز لأن لا انتخاب من دون نصاب. وهذا أمر محسوم. لا يمكن إجراء انتخابات بلا النصاب الذي نص عليه الدستور، وهو نصاب الثلثين. ومن أجل الوصول إلى الأكثرية المطلقة في الدورة الثانية من الاقتراع لا بد من المرور أولاً بنصاب الثلثين. أي أن حضور النواب الـ86 في المجلس وفي القاعة حتمي وضروري قبل أن يدخلها رئيس المجلس لافتتاح الجلسة. ولن يدخل رئيس المجلس القاعة قبل توافر هذا النصاب، منطقياً وعرفاً وممارسةً مئة في المئة. النصاب العادي لجلسات التشريع هو 65 نائباً، ولم تنعقد مرة جلسة اشتراعية لم يتوافر فيها نصاب الـ65 نائباً. ولم يكن يدخل رئيس المجلس القاعة إلاّ بعد تأكّده من وجود هذا النصاب. القياس نفسه في انتخابات الرئاسة، ولكن بنصاب الثلثين لا نصاب الأكثرية المطلقة، فيدخل رئيس المجلس ويستخدم المطرقة إيذاناً بافتتاح الجلسة.

  • إذن هذا الموقف يقطع الطريق على أي اجتهاد آخر في نصاب الجلسة من أي جهة أتى؟
    ــــــ لا يمكن أن يكون هناك اجتهاد مع وجود النص. حتى وإن تجاهلت ما حصل منذ عام 1943 حتى الآن، وتجاهلت ما حصل في جلسة انتخاب الرئيس الياس سركيس عام 1976 تحت القصف في انتظار ساعات ريثما يكتمل النصاب القانوني الذي هو الثلثان، وتجاهلت جلسة انتخاب الشيخ بشير الجميل التي طالت أكثر من ثلاث ساعات حتى اكتمل النصاب القانوني، والذي هو الثلثان أيضاً، وأنا كنت ممّن وقف ضد اكتمال النصاب القانوني حينذاك، وصولاً إلى انتخابات 1988 والتي كان الرئيس حسين الحسيني هو رئيس المجلس، فلم يفتتح الجلسة بسبب عدم اكتمال نصاب الثلثين. رغم أنه احتسب في ذلك الوقت عدد النواب الأحياء وليس عدد نواب المجلس. لكن ظل المطلوب الثلثان. إذا كان عليَّ أن أتجاهل كل هذه الحالات فإنني أطلب إجابة عن هذا السؤال: إذا كنّا نعتبر أن لا فرق بين الجلسة والدورة فهذا دليل جهل بالعربية. لماذا أتى الدستور على ذكر الثلثين. يمكن أن تشهد الجلسة الواحدة دورتي اقتراع. الدورة ليست الجلسة. الدستور استخدم التعبيرين. الجلسة تتطلّب الثلثين ودورة الاقتراع الأولى الثلثين والدورة الثانية الأكثرية المطلقة. يجب أن يحضر كل جلسة 86 نائباً.

  • ألا يشكل توجيه الدعوة مأزقاً للانتخابات ولنصاب الثلثين في حال لم يحصل توافق على الرئيس الجديد؟
    ــــــ سمّهِ تحريضاً، وسمّه إغراء ورجاء كما تشاء، كل ذلك في سياق سعي رئاسة المجلس إلى التوافق. إذا لم يكن هناك نص دستوري بالثلثين وهو موجود، ولم يكن عرف بالثلثين وهو موجود، وإذا لم تكن هناك ممارسة بالثلثين وهي موجودة، فيجب أن نوجد هذين الثلثين من أجل لبنان وخصوصاً في ظل الظروف الراهنة كي نعود ونلتقي حول وحدته والسير به قدماً. يكفينا تلهّياً.

  • تطرح لانتخابات الرئاسة شعارين هما الثلثان وهو شرط دستوري والرئيس التوافقي وهو بعد سياسي، فإلى أي مدى تشعر بأن هذين الشرطين سيقبل بهما الطرف الآخر؟
    ــــــ هما شرطان متلازمان. وهل يحصل التوافق للمرة الأولى؟ ألم يتوافق كميل شمعون وحميد فرنجية عام 1952، حتى في سائر الانتخابات كان التوافق يرافق الاستحقاق الرئاسي حتى اللحظة الأخيرة من المساومات والجهود المبذولة. وليس هذا بالأمر الجديد. وما دام هناك كثيرون في لبنان يستهوون تقليد فرنسا، فإن نيكولا ساركوزي رئيسها الجديد، فاز في الانتخابات بعد معركة كاسحة، وهو أتى إلى الحكم والحكومة الجديدة بأشخاص من خارج حزبه ومن المتعاطفين مع خصومه. بعد هذه المعركة بدأ يلمّ شمل الفرنسيين، فلماذا لا نقدم نحن على ذلك؟ ماذا يعني انتخاب رئيس للجمهورية بالأكثرية المطلقة سوى أنه يصبح في الإمكان انتخاب رئيس بـ33 صوتاً. بهذا الرقم تستطيع الطائفة الإسلامية بنوابها الـ64 انتخاب رئيس ومن دون الحاجة إلى أصوات المسيحيين. هذه طروحات مذهبية طائفية ضيّقة الأفق. المطلوب تحقيق توافق عام. وللغيارى على المسيحيين والموارنة أريد أن أقول لهم إن رئيس الحكومة اختير بما يشبه الإجماع إكراماً للشهيد رفيق الحريري (126 نائباً)، وكذلك رئيس المجلس أتى بتوافق وطني. وأنا أوافق الدكتور سمير جعجع قوله إنه يقبل برئيس توافقي للجمهورية شرط انتخاب رئيس توافقي لمجلس النواب. أنا أتيت بتوافق وطني. نلتُ في آخر انتخابات لرئاسة المجلس 90 صوتاً التي هي خليط أصوات نواب مسلمين ومسيحيين، وليست هي أصوات الشيعة فقط، علماً أن نواباً شيعة صوّتوا ضدي، وهي كذلك أصوات النواب السنّة والشيعة والدروز الذين يبلغ عددهم 64 نائباً وليس 90. وهذا يعني أن انتخابي حصل نتيجة توافق. هناك مَن اقترع لي ومَن لم يقترع لي. حزت أصوات نواب مسيحيين مقدار عدد الأصوات التي نلتها من النواب المسلمين. النواب الشيعة في كتلة الرئيس ميشال عون صوّتوا ضدي لأنه اتخذ قراراً بمعارضة ترشيحي، وكذلك هناك نواب في كتلة النائب سعد الحريري أقرّوا بأنهم لم يصوّتوا لي من بينهم العَلَم العلّامة نائب الرئيس (فريد مكاري). متى حصل هذا التوافق؟ على أبواب انتخابات رئاسة المجلس. قبل ذلك كان هناك موقف أميركي وفرنسي وبريطاني ضد انتخابي رئيساً للمجلس علناً. وهذا الأمر حملني على القول إنني لست مرشحاً لرئاسة الكونغرس الأميركي ولا لرئاسة الجمعية الوطنية الفرنسية، ومع ذلك حصل توافق على رئاسة المجلس. فلماذا يكون التوافق على رئاسة الحكومة ورئاسة المجلس ولا يكون على رئاسة الجمهورية؟ وأريد أن أذكّر أن نبيه بري وحركة أمل وخطها مشوا في دائرة انتخابية صغيرة هي القضاء لم يكن في الإمكان تصوّر حصوله لأنني دائماً من دُعاة الدائرة الانتخابية الواحدة للبنان وفق النسبية وفي أسوأ تصغير للدوائر لم أكن لأقبل بأقل من المحافظات الخمس. ولكنني مشيتُ في القضاء لأنني وجدت أن نصف لبنان، وتحديداً المسيحيين. لم يعد يركنون إلاّ إلى القضاء دائرة انتخابية، فليكن، وإن خسرت عدداً من النواب. من أجل التوافق وصلت إلى القضاء، ومن أجل التوافق ليصلوا هم إلى القدر. يجب أن يفهموا أننا في لبنان لسنا أعراقاً مختلفة، بل أديان عدة، ليست مختلفة بعضها مع بعض. نحن عرق واحد. ليتفضّلوا ويسمّوا لي عائلة واحدة هي وقف على طائفة أو على مذهب إلاّ ما ندر. هذا هو لبنان.

  • ما هي مواصفات المرشح التوافقي في رأيك؟
    ــــــ أن يكون لبنانياً وآدمياً وفقط.

  • وفي لعبة التوازن الإقليمي والدولي؟
    ــــــ أن يكون على علاقة طيّبة مع كل الدول. وسأسمح لنفسي بأن أصحّح ما ورد أخيراً في بعض الصحف نقلاً عن لسان السيد دافيد ولش (مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى) بأنه قال لي إن واشنطن لا تسعى إلى وصول رئيس أميركي للبنان، وإنني أجبته إننا لن نقبل برئيس ضد سوريا. وهذا خطأ. بل حقيقة الحوار بيننا وحرفيته أنه قال إن بلاده لن تكرّر خطأ سنة 1988 وأن يأتي رئيس بالتفاوض مع سوريا أو أن يكون سورياً، فأجبته بأننا نحن أيضاً لا نريد رئيساً يكون أميركياً. وقلت له إننا نريد رئيساً لبنانياً وتكون له علاقات جيدة مع كل دول العالم بدءاً بسوريا وأميركا. سوريا لأنها الجار الأقرب، وأميركا لأنها دولة عظمى. ومصلحتنا كلبنان أن تكون لنا علاقة مع كل الدول. ومن باب أولى أن نكون على علاقة جيدة مع سوريا وأميركا.

    ¶ عام 1995 عندما حصل التمديد للرئيس الياس الهراوي، استبقته كرئيس للمجلس بمشاورات نيابية واسعة. فهل ستكون في صدد إجراء مثل هذه المشاورات في وقت لاحق، وقبل الوصول إلى الاستحقاق الرئاسي؟
    ــــــ آنذاك كان الموضوع محدّداً، تمديداً أو لا تمديد. ولو أصغوا إليّ لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، لأن التمديد في تلك السنة أدّى إلى تمديد آخر. وهذا أصبح جزءاً من التاريخ. كان الموضوع مطروحاً بين التمديد للرئيس الياس الهراوي أو لا تمديد، وليست هذه هي الحال الآن. ولن أقوم الآن بتحرك حول نصاب الثلثين لأن هذا الأمر محسوم لديّ نهائياً وغير قابل للنقاش ليس لأنني أريد أن أفرض رأيي، بل لأن الدستور يفرض رأيه علينا جميعاً. ولن أتساهل حيال هذا الأمر. قلت مرّة إنه قد تكون لديّ قابلية لمخالفة قانون ولكن ليس لمخالفة الدستور. أتاني قبل مدة وزير العدل (شارل رزق) وقال لي إنه طلب استشارات قانونية من الخارج في موضوع النصاب، فأجبته هل لديكم مال كثير في وزارة العدل لإهداره. لن أقبل بأي استشارة قانونية من أي مكان في الدنيا ما دام الدستور صريحاً وواضحاً في أمر النصاب، وكذلك العرف والممارسة. أما المشاورات حول المرشح التوافقي فهو شأن آخر، ويمكن أن يكون هناك توافق حول مرشح واحد وحول أكثر من مرشح. وآمل في ألاّ أضطر لإجراء مشاورات نيابية وأن نجتمع جميعاً كلبنانيين حول مرشح أو مرشحين توافقيين معينين ونجري الانتخابات الرئاسية. أما إذا وجدت في 25 أيلول أن الوضع يحتاج إلى مشاورات، أرجئ جلسة الانتخاب إلى موعد لاحق وأبدأ تحركي لأنه سيكون أمامي متّسع من الوقت، نحو شهرين، بين 25 أيلول و25 تشرين الثاني، لإنجاز الاستحقاق الرئاسي. كل أوان لا يستحي من أوانه.



    عام 1995 اخترع الرئيس نبيه بري «مشاورات» ما قبل الإستحقاق للبننة رئاسة كانت قررتها دمشق، هي التمديد للرئيس الياس الهراوي. ولم يكن هو يميل إليه. وعام 1998 اكتفى بإدارة الإجماع على انتخاب الرئيس إميل لحود الذي صنعته دمشق، ثم صنعت من بعده التمديد عام 2004. بعد أشهر سيكون بري، لأول مرة، أمام انتخابات طابخوها الخارجيون كثر.