البقاع ـ عفيف دياب
تغير مزاج الشارع السني في البقاع كثيراً.فهذا الشارع الذي عرف عنه انتماؤه القومي الواسع، ولم يكن معنياً بالانتماء إلى «الكيان اللبناني»، أصبح اليوم من أشرس المدافعين عن هذا «الانتماء الضيق»، فيما أصبحت القومية العربية «عبئاً» بسبب «الأذى السياسي والمعنوي الذي ألحقته الحقبة السورية بالسنّة».
لم يعرف عن الشارع السني وقوفه إلى جانب الجيش كما هي حاله اليوم. فإثر أحداث الضنية مطلع عام 2000، وقف هذا الشارع، في لبنان عموماً والبقاع على وجه الخصوص، ضد «ممارسات» الجيش في حق فئة من «اهل السنة»، كان للبقاع حصة منها في ما عرف لاحقاً بـ «شبكة القرعون» و «شبكة مجدل عنجر»، حيث أوقفت أعداد من الشباب تحت عناوين الانتماء الى الحركات الاصولية والمنظمات «القاعدية».
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان، تنفّس سنّة البقاع الصعداء، وباتت حركتهم السياسية والحزبية والشعبية أكثر حرية، واستبدلت بتماثيل الرئيسين حافظ وبشار الأسد وصورهما، صور الرئيسين الحريري وفؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري. وقد تجلى الانقلاب، بوضوح، إثر أحداث الشمال. فحالات التعاطف مع القوى الإسلامية أو الدينية لم تعد موجودة، وبعدما كانت مجدل عنجر تتظاهر احتجاجاً على «استهداف» الجيش مجموعات «إسلامية»، تتظاهر اليوم تأييداً للجيش بقيادته نفسها.
ويقول متابعون إن «مشاهد التأييد والدعم للجيش اللبناني بين سنّة البقاع ظاهرة تجب قراءتها بتأنّ وموضوعية، بعيداً عن التشنجات الطائفية». لافتين إلى أنه «منذ أن نال لبنان استقلاله لم تُسجّل يوماً حالات تعاطف سنّية مع المؤسسة العسكرية، على رغم احتضانها آلاف الشباب من سنّة الأطراف، وكان السنة دائماً يتهمون المؤسسة العسكرية بالعداء للعروبة وللقومية العربية وللقضية الفلسطينية».
ويؤكد إسلاميون في تنظيمات سنّية في البقاع، أن المواجهات بين الجيش وتنظيم «فتح الإسلام» «ليست محلّ ترحيب من جانبنا، ونحن لا يمكن إلا أن نتعاطف مع الجيش الذي تعرض لعملية غدر منظّمة، وليس صحيحاً أن ما يجري هو تصفية حساب بين الجيش والسنّة، ولا يمكن أن نعترف بحركة فتح الإسلام لأنها اسم على غير مسمى، وأعمالها التخريبية واضحة، وهي تتلقى تعليماتها من الخارج. ونحن السنّة لم نعد نقبل أن نتحول الى مكسر عصا لهذه الدولة او تلك، ولا أحد يستطيع أن يزايد علينا في اسلامنا وعروبتنا، وآن أن نبني دولة للجميع».
وفي مقابل هذا الموقف، يقدم بعض الاسلاميين السنّة قراءة مختلفة. ويقول هؤلاء إن «المزاج السني في البقاع متوحد ضد ما يجري في طرابلس والشمال، لكنه لا يمكن أن يقف متفرجاً على تعرض مجموعة اسلامية للإبادة. وهنا في البقاع، تعرضت مجموعات مماثلة للهجمة نفسها، في وقت وقف فيه قادة السنة في لبنان يتفرجون علينا، حتى إنهم لم يعترضوا على كلام نسب للوزير الياس المر حين قال إنه يعتقل السنّة في الشاحنات ولا احد يعترض على ذلك». لذلك يعرب هؤلاء عن اعتقادهم بأن «ظاهرة التأييد الواسع للجيش وسط سنّة البقاع مؤقتة» لأنها «جاءت بعد اتهام كلام مذهبي واتهام بعض القادة السياسيين والروحيين لفتح الاسلام بأنها حركة سورية»، وهو، برأي هؤلاء، «ما قد لا يستمر اذا ما طال أمد الأحداث واتسعت رقعتها وزاد عدد ضحاياها».