عمر نشابة
«رائحة الموت تنتشر في مخيم نهر البارد ولم نتمكّن من انتشال جميع القتلى المدنيين من تحت أنقاض البيوت المدمّرة» قال أحد الممرضين من داخل المخيم لـ«الأخبار». يعاني السكّان المدنيون في مخيم نهر البارد، الذين يزيد عددهم على 30 ألف نسمة، نقصاً في أدنى مقومات العيش منذ يوم الأحد كما يتعرّضون لقصف مركّز بقذائف من العيار المتوسّط والثقيل أدى إلى تدمير جزء كبير من البيوت والمحال التجارية والمساجد والمدارس. فمنذ اندلاع المعارك بين مقاتلي «منظمة فتح الإسلام» والجيش اللبناني ليل السبت 19 أيار أصبح الخروج والدخول من المخيم وإليه صعباً بسبب استهداف القنص سيارات مدنية وشاحنات، وبسبب القصف المدفعي والصاروخي الكثيف على كل انحاء المخيم والمناطق المحيطة به. ومع احتدام المعارك أغلقت كلّ المنافذ والطرقات التي تؤدي إلى المخيم بشكل كامل بعد ظهر يوم الأحد وأعلنت جهات أمنية أن الجيش يحاصر المخيم من كل النواحي، بما فيها البحر بواسطة طرّادات حربية.
وقال وليد عبد الله وهو ممرّض يعمل في مستوصف ميداني للهلال الأحمر الفلسطيني في مسجد الحاووز لـ«الأخبار» عبر هاتف تمكّن من تشريجه بواسطة بطارية سيارة، إن أربع شاحنات تحتوي على خبز وحليب ومازوت ومولّد كهرباء تابعة لوكالة غوث اللاجئبن (انروا) تمكّنت من الدخول إلى وسط المخيم حوالى الساعة الرابعة بعد ظهر أمس. ويتابع وليد: «ربع ساعة بعد وصول شاحنات الأنروا وبدء توزيع الخبز والحليب منها على الناس سقطت قذيفتا هاون في المكان، ما أدّى إلى مقتل شخصين وجرح 15». ولم يُعرف مصدر القصف. وتحدّث وليد عن تعرّض ما يزيد على مئة مبنى سكني في المخيم للقصف، ما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين وجرح آخرين وخراب في الممتلكات. وأصيبت ثلاثة مساجد هي مسجد الجليل ومسجد الدعوة ومسجد خالد بن الوليد الذي دمّر تدميراً شبه كامل. وقال وليد إن أفران المخيم تعاني نقصاً في الطحين والمازوت والغاز، وإن المؤن الغذائية في نهر البارد بدأت تنفد. لكن أخطر ما في الأمر هو النقص الذي يعانيه السكان المدنيون في مياه الشرب، ما يدفعهم إلى شرب مياه عكرة قد تعرّضهم لالتهابات معوية.
وقال سكان مدنيون كانوا محاصرين في المخيم إنهم كانوا يختبئون منذ ليل الأحد الماضي في حمام ضيّق في الطابق السفلي من أحد المباني وعددهم 6 أشخاص من بينهم 3 أطفال. وأفادوا بأنهم يعانون نقصاً في المياه والطعام. وبدا وضعهم النفسي متدهوراً. والتيار الكهربائي في المخيم الذي كان ينقطع باستمرار قبل اندلاع المعارك، مقطوع بالكامل منذ ليل السبت. كما تضرّرت مولّدات الكهرباء في المخيم جرّاء القصف.
وروى السكان أنهم حاولوا الخروج من مخبأهم يوم أوّل من أمس عندما أعلمهم أحد سكان المخيم بإعلان وقف لإطلاق النار. وعندما خرجوا للبحث عن وسيلة للخروج من المخيم تجدّد القصف فعادوا إلى مخبأهم وقرّروا البقاء فيه حتى بعد ظهر أمس حين تمكّنوا من الهروب من المخيم بسلام.
الصليب الاحمر قلق من الوضع
قالت المسؤولة الإعلامية في الصليب الأحمر الدولي ديلاغوارديا لـ«الأخبار» إن الهلال الأحمر تعرّض لإطلاق نار يوم الأحد الماضي من مصدر مجهول وناشدت جميع الاطراف تأمين ممرّ آمن للمدنيين والإسعافات وقوافل الإغاثة من مخيم نهر البارد المحاصر وإليه. كما أعلن بيان صدر أمس عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قلقها من التصاعد الأخير لأعمال العنف في لبنان. ودعت اللجنة جميع الأطراف المتورطة بالصراع إلى التزام القوانين الإنسانية الدولية، وخاصة في ما يخص حماية المدنيين غير المشاركين في الاشتباك مباشرة. كما أشار الصليب الأحمر إلى وجوب تسهيل عمل الطاقم الطبي والعاملين ضمن الهيئات الإنسانية والسماح لهم باستكمال عملهم وتأمين الوصول إلى الجرحى لإغاثتهم دون شرط. كما يجب عدم تعريض الطاقم الطبي، وسياراته ومعداته لأي عمل عنفي.
اتفاقية جنيف الثالثة
وأعرب الممثل الإقليمي للمفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فاتح عزام عن قلقه لأوضاع المدنيين المحاصرين في مخيم نهر البارد، وقال إن على الجهات المتنازعة احترام واجب حماية المدنيين وإبعادهم عن ساحة المواجهات وتطبيق القانون الدولي الإنساني المتجسّد في اتفاقيات جنيف. إذ تحظر اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بحماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة، في جميع الظروف جعل أي هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين هدفاً لهجوم بأسلحة غير مناسبة. وتحظّر الاتفاقية استهداف الإسعافات ووسائل الغوث والمساعدات الغذائية والطبية.
وكان المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر الذي شارك فيه لبنان في كانون الأول 1995 قد أكّد «التزام كل الدول احترام مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني في كل الأحوال. وناشد المؤتمر الدول اتخاذ كل التدابير المطلوبة لضمان الحماية والمساعدة اللتين هما من حق الأطفال، وأدان بشدة قتل المدنيين في النزاعات المسلحة»، كما أكد المؤتمر «أن السكان المدنيين الذين يكونون في عوز يحق لهم الانتفاع بأعمال الإغاثة الإنسانية،» وأصرّ المؤتمر على أهمية وصول المنظمات الإنسانية «بلا قيد ولا شرط في فترة النزاع المسلح إلى السكان المدنيين الذين يكونون في عوز»، كما شدّد المؤتمر على الصلة الأساسية التي ترتبط بين مساعدة وحماية النساء من بين ضحايا أي نزاع، وطلب بإلحاح أن تتخذ تدابير حازمة لضمان الحماية والمساعدة، وحظر الصليب الأحمر والهلال الأحمر من استعمال المجاعة وسيلة حربية ضد الأشخاص المدنيين، وحظر مهاجمة الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، أو تدميرها، أو الاستيلاء عليها، أو تعطيلها لهذا الغرض.
وأعلن الصليب الأحمر اللبناني في بيان له أمس أنه تمكن بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني وبموافقة الجيش اللبناني، من إخلاء 52 مدنياً من المخيم من بينهم جرحى وامرأة حامل.
ليل أمس تمكّن حوالى 5000 مدني من مغادرة المخيم المحاصر رغم القنص المتقطّع الذي لم يتوقّف حتى ساعة متأخرة من الليل. وما زال يختبئ في المخيم آلاف المدنيين، من بينهم أطفال ونساء وشيوخ فهل يتنبّه المتقاتلون إلى حاجاتهم الإنسانية؟