أنطوان سعد
دعوات فتح التطوع في الجيش دون الأخذ بالاعتبارات الطائفية توجهً مدروس لإدخاله في امتحان صعب

توقفت أوساط مارونية عند الدعوة التي أُطلقت لفتح باب التطوع في الجيش من دون الأخذ بالاعتبارات المذهبية والطائفية. وإذا ما وُضعت هذه الدعوات في إطار الأزمة المشتعلة في محيط مخيم نهر البارد، والكامنة تحت الرماد في مواضع أخرى، إضافة إلى المهمات الأمنية الموكلة إلى الجيش في الجنوب ووسط بيروت ومحيط مواقع الفلسطينيين ومخيماتهم، وسائر المناطق اللبنانية، فإنها أكثر من مبررة. إذ إن القوات النظامية منهكة جراء الأحداث السياسية والأمنية المتواصلة دون انقطاع منذ انسحاب الجيش السوري قبل أكثر من عامين، ولا بد من رفدها بقدرات جديدة في العديد والعتاد حتى تبقى على قدرتها وجهوزيتها لمواجهة الأخطار المحدقة بالبلد، والمرشحة للتفاقم إذا عجزت القوى السياسية عن التوافق على الرئيس العتيد للجمهورية مطلع الخريف المقبل.
لكن هذه الأوساط ترى أن حل زيادة عديد الجيش وعتاده هو الحل الهيّن والبسيط، تماماً كما الاستدانة المتواصلة لسداد خدمة الدين، وكما التهويل بانتخاب رئيس الجمهورية من غير توافر نصاب الثلثين، وكما الاستمرار في الحكومة في غياب ممثلي الطائفة الشيعية. وتلفت إلى أن ما تغفل عنه الجهات السياسية الموجودة في السلطة، والتي تسارع الى اختيار الحل الأسهل للمشكلات الصعبة، هو الأثمان المترتبة على هذا الخيار الذي يجد التجلي الأوضح له على المستوى المالي، اذ يتفاقم الدين العام ويصبح يوماً فيوماً أكثر عبئاً على الخزينة وعلى الأجيال اللبنانية الصاعدة والمقبلة. وكذلك هي الحال على المستوى السياسي حيث ستؤدي عملية الهروب إلى الأمام، بدل التصدي إلى جوهر المشكلات الجاثمة، إلى ضرب التوازنات الدقيقة التي تقوم عليها التجربة اللبنانية الخارجة بتهشيم كبير بعد سنوات الهيمنة السورية.
وفي وقت يفترض فيه أن تنكفئ القوى السياسية إلى معالجة آثار المرحلة الماضية، يبدو أن الاتجاه السائد هو المضي في نهج تعميق الخلل نتيجة وجود نية لدى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بإجراء تعيينات في مراكز مهمة في الفترة المقبلة تعكس عدم اكتراث بمبدأ إشراك الجميع في عملية إدارة المرافق العامة الكبرى.
وتعليقاً على الدعوة الى فتح باب التطوع في الجيش، انتقد مرشح لرئاسة الجمهورية قريب من قوى 14 آذار في مجلس خاص هذا التوجه. وقال إنه سيتكلم مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لكي يسحب الموضوع من التداول لأنه لا مصلحة لأحد به. وأضاف: «سأسأله ماذا سيكون رد فعله إذا أقدم حزب الله على الطلب إلى عشرة آلاف، وربما أكثر، من محازبيه التقدم من مديرية التعبئة في الجيش للتطوع؟ هل سيدعو حينذاك إلى مراعاة التوزيع الطائفي للمتطوعين أم إلى إقفال باب التطوع نهائياً والإقلاع عن الفكرة؟ وماذا سيكون وقع هذا الموقف على الرأي العام اللبناني؟ ألن يشكّل ذلك زيادة في منسوب التوتر الطائفي؟ صحيح أن الجيش في حاجة ماسة للعديد لكن لم لا يُفكر القادة السياسيون في وسيلة أخرى لحل هذه المشكلة؟ لماذا لا ينصبُّ الاهتمام على تحقيق التوافق الذي يقفل الباب، لا بل يوصده، في وجه الاختراقات الأمنية؟ علماً بأن من شأن زيادة عديد الجيش أن يجر حكماً زيادة في العتاد والأسلحة والتجهيز، أي بكلام آخر إجراء زيادة كبيرة لموازنة وزارة الدفاع، ليست البلاد قادرة على تحملها، وإن كانت واجبة إذا ظل الظرف السياسي على حاله».
أما ما تخشاه الأوساط المارونية فهو أن تكون الدعوات لفتح باب التطوع في الجيش دونما الأخذ بالاعتبارات الطائفية والمذهبية تعكس توجهاً مدروساً لإدخال مؤسسة الجيش اللبناني في امتحان صعب بعدما صدرت أصوات عديدة إبان يوم الإضراب الذي دعت إليه المعارضة، في 23 كانون الثاني الماضي، وفي الأيام التي تلته، اتهمت الجيش بالتحيّز للمعارضة. وما أثار الريبة أن الدعوات أتت من جهات درزية ومارونية، ما يعني أنها قد تكون غير عفوية باعتبار أنه يفترض بممثلي هاتين الطائفتين أن يكونوا في مقدم المدافعين عن الحفاظ على معيار التوازن داخل المؤسسة العسكرية، كما داخل سائر المؤسسات الدستورية والإدارات العامة. وإذ بممثليهما يطلبون في اليوم نفسه فتح باب التطوع وتجاوز الاعتبارات المذهبية والطائفية بحجة أن الظرف السياسي والأمني الخطير يستوجب رفع عدد جنود الجيش لكي يتمكن من ضبط الوضع.