فداء عيتاني
500 مقاتل في نهر البارد ومئات «اختفوا» شمالاً و«قتلى» أحياءً ولائحة سعوديين مكتومة

قبل أيام من عملية دهم «مبنى المئتين» الشهيرة في 20 من الشهر الجاري، كان أحد الكوادر اللبنانيين في «فتح الإسلام» يتحدث، بثقة، عن عدم الوقوع مجدداً في أخطاء أحداث الضنية، محاولاً اقناع محدثيه بأن «المجاهدين تعلموا من أخطائهم، ولا عودة إلى الوراء».
قبل لحظة الانفجار، كانت «فتح الاسلام» قد تعرضت إلى سلسلة من المغامرات غير المستحب: تم ترحيل عدد من الشبان اللبنانيين والعرب من العراق ــ أو ممن لم يتمكّنوا من الوصول اليه ــ عبر الأراضي السورية حيث احتجزتهم سلطاتها، قبل أن ترحّلهم الى لبنان. لجأ «العائدون» الى مواقع القيادة العامة في البقاع. الا أن أحداث إطلاق النار بين الجيش اللبناني والقيادة العامة دفعت بالأخيرة إلى التخلص منهم، فقرروا الاستقرار في مخيم نهر البارد.
لا تختلف الروايات إلا على موقف «فتح الإسلام» من سوريا وموقف الأخيرة من هذه الحركة، وعلى ما اذا كان عناصرها، وغالبيتهم عرب ولبنانيون، قد تمكنوا من المشاركة في المعارك ضد الأميركيين في العراق أم أُوقفتهم السلطات السورية قبل وصولهم الى بلاد الرافدين. إلا أن الثابت أن العلاقة التي كان يُعتقد بأنها قائمة مع سوريا «على كثير من السياسة وقليل من المال»، قد سقطت بالكامل حين أقدمت القوات السورية على تصفية 18 من عناصر «فتح الإسلام» بقيادة أحد رموز مجموعاتها قرب الحدود السورية ــ العراقية.
قبلها كانت المنظمة المكونة من مجموعات صغيرة وغير مركزية قد استشعرت الخطر حين تمت مطاردة وقتل (او انتحار) أحد قادتها على الحدود السورية ــ اللبنانية، واستشعر الشبان المتحمسون للجهاد أن العلاقات مع دمشق ليست في أفضل أحوالها، وهم، على أي حال، لا يكنّون وداً لدمشق، إلا أنهم يصنّفون أنفسهم كحركة تحرر تتعاون من فوق الطاولة او تحتها مع دول الممانعة. وبدا، عندئذ، أن حادثة الحدود اللبنانية ادت إلى تفكير آخر.

ما حكّ جلدك إلّا ظفرك!

راكمت مجموعات «فتح الإسلام» المقاتلين، وأقامت علاقات جمعت بعضها ببعض، وهي في كل الأحوال مجموعات متفرقة، وأسست لعلاقة مع مجموعات «قاعدية» اخرى في طرابلس، وخلال فترات متقطعة شحنت مخازنها العسكرية بالعتاد والسلاح والذخائر. وبعد مقتل 18 من عناصرها على الحدود مع العراق، ومشاهدة قادتها وزير الخارجية السوري وليد المعلم «يهدي» قتلاهم إلى نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس، أيقنوا أن الأمور لن تكون كما في السابق، وأن لبنان بات «أرضاً للجهاد» بعدما كان منذ غزو العراق عام 2003 «أرضاً للنصرة».
فلسفة العمل في لبنان، بالنسبة الى هؤلاء المقاتلين المتحمسين، تقوم على نظرية بسيطة سياسياً إلى حد السذاجة، ربما: احتلال طرابلس، وتشكيل عقبة كبيرة أمام السلطة اللبنانية المركزية، فتح جبهة في مواجهة قوات الطوارئ الدولية، إسقاط المؤسسة العسكرية تحت ضغط الانقسام السياسي ومنعها من استعادة عاصمة الشمال، وضرب الدولة المتحالفة مباشرة مع الأميركيين التي تطالب بتسليم لبنان إلى القوات المتعددة الجنسية (او الصليبيين الجدد بحسب تعبيراتهم). كل ذلك، في رأيهم، سينزع لبنان من تحت أيدي الاميركيين ومن تحت وصاية الامم المتحدة التي لا يشك هؤلاء الشبان ـــــ المتعطشون لرؤية سياسية مختلفة ـــــ بأنها مجرد أداة في يد الولايات المتحدة الأميركية.

قد أتاكم الزرقاوي

سبقت الإشارة في «الأخبار» قبل حوالى شهر إلى أن تنظيم «فتح الإسلام» يخضع لقيادة من إحدى الشخصيات الأردنية المعروفة في تنظيم «القاعدة»، الذي قدِم من العراق قبل أشهر قليلة، في إطار مناقلات لا تتوقف بين بلاد الرافدين وبلاد الشام. وعندما قتل «أبو ليث» لم يعلن أحد أن الرجل الذي رأى في لحظة هجوم القوى الأمنية المرتجل على إحدى شقق حلفاء «فتح الاسلام» في طرابلس، هو «ابو ليث الزرقاوي» الأردني، شقيق «امير بلاد الرافدين» الشهير «أبو مصعب الزرقاوي».
ابو ليث قرر البدء بالعمل، ونصرة حلفاء «فتح الإسلام»، والقتال إلى النهاية، وتم قتله لاحقاً. إلا أن أسماء من قتلوا، هنا وهناك، تبقى غير دقيقة، اذ يؤكّد أحد شهود العيان أن أحد من أُعلن أنهم قتلوا في اشتباك «بناية المئتين» ظهر أمامه «بلحمه ودمه» في أحد أزقة طرابلس، مصادفة. كما أن أحد الذين ذكر أنهم قتلوا في المبنى لم يعثر على جثته.
وحين سقطت الشقق التي تمركز فيها عناصر القاعدة، والتي يثار لغط حول مالكها، بيد القوى الامنية، عثر داخلها على نحو 1.2 مليون دولار اميركي نقداً، مما يشير إلى أن عملية سرقة «بنك البحر المتوسط» في أميون كانت مجرد حادثة عابرة، كما تقول مصادر متابعة للملف، مشيرة إلى أن أكبر مصرف في الشمال لا يحتوي على اكثر من 150 الف دولار، فما هي حاجة من يملك كل هذه السيولة إلى سرقة مصرف؟.
فجر العشرين من أيار داهم فرع المعلومات الشقة، وكانت التقديرات بأن في داخلها مجموعة من ثلاثة اشخاص. ويروي سكان المنطقة ممن قاتلوا سابقاً في اكثر من إطار أن غزارة النيران التي أطلقت من الشقة توحي بأن من كانوا فيها اكثر من 20 مقاتلاً مع كمية ضخمة من الذخائر. ويروي أحدهم أن سيارة إسناد لـ«فتح الإسلام» تقلّ اربعة مقاتلين التفّت على القوى الأمنية وفتحت النار من خلفها، وهي عملية الاسناد الوحيدة التي نفذتها الحركة خلال الاشتباك الذي استمرّ حتى الثامنة مساء. وتؤكّد معلومات متقاطعة أن قوى الأمن تورطت وورطت الجيش الذي تعرض اكثر من عشرة من جنوده للخطف.
وفي محصلة الهجوم على مبنى «المئتين» قتل شخص من «القاعدة» واعتقل اثنان وفر رابع، بينما قتل اربعة من «فتح الإسلام» الذين تدخلوا لدعم حلفائهم. الا أن احداً لم يؤكّد أسماء القتلى، علما أن المتابعين يقولون إن من أُعلنت أسماؤهم من المطلوبين للسعودية عبر الانتربول، وأن الإعلان عن مقتلهم قد يكون خطأ في التأكّد من هوياتهم، كما قد يكون أمراً آخر تماماً.

وماذا غداً؟

كل ذلك أصبح من الماضي، إلا أن من يحدثك عن «فتح الإسلام» (او المجموعات التي تعمل تحت هذا الاسم) يسألك عن مكان وجود مئات المقاتلين من الحركة في طرابلس، وماذا يفعلون؟ وهل قرروا التخلي عن «القتال والجهاد»، ام ينتظرون لحظة الانقضاض على المدينة واستكمال «مشروعهم السياسي»؟ وماذا في شأن عشرات المقاتلين الذين انتقلوا من طرابلس والبارد إلى مخيم عين الحلوة؟ ماذا سيفعلون غداً؟
من كان بـ«فتح الإسلام» خبيراً، يشير إلى أن الكلام عن مئة مقاتل في المخيم مجرد كلام إعلامي، وان كان في الرقم 900 مئة شيء من المبالغة. الا أن ادارة المعركة ميدانياً تتطلب اكثر من 90 متخصصاً في الأمور اللوجستية والاتصالات والتنسيق وغرفة العمليات واخلاء الجرحى وتأمين الامداد وغيرها، وهو من خلال خبرته يرى أن ما يدور في المخيم القريب من عاصمة الشمال يشير إلى هذه الإمكانات، والتي بدا، في اليوم الأول للاشتباكات، ان الجيش اللبناني لم يتمتع بها. وبالتالي، يمكن احتساب ادنى عدد ممكن للمقاتلين اللبنانيين والعرب والفلسطينيين في مخيم البارد بأكثر من 500 مقاتل. اما المجموعات التي قامت بعدد من العمليات في مناطق قريبة من طرابلس ضد الجيش فلا مؤشرات حقيقية على اعتقالها، ولا على اعتقال او مقتل من نفذ عملية عين علق، وإن كان معروفاً بالاسم. فماذا عن الغد بعد هدنة غير معلنة في المخيم؟