طرابلس ـ نادر فوز
«اطلب العلم ولو في طرابلس»، عبارة أطلقتها إحدى الأمهات عند مدخل ثانوية طرابلس الرسمية للبنات، احتجاجاً على استمرار إقفال المدارس. مقابل هذه الحالة النادرة، يعتقد معظم الأهالي أنّ متابعة العام الدراسي ليست بالأمر الأساسي، في ظل الظروف الأمنية الخطيرة التي تشلّ حركة الشمال. على صعيد آخر، اغتنم طلاب الجامعات اللبنانية وتلامذة المدارس في الشمال الأحداث الدائرة في مخيّم نهر البارد، ليأخذوا قسطاً من الراحة لعلهم يستكملون عامهم الدراسي بمزيد من النشاط.
تنتظر المقاهي المقابلة للمجمّع الجامعي في الشمال طلابها، زبائنها الاعتياديين منذ نهار الثلاثاء، إلا أنّ الحركة شبه معدومة في الكليّات وعند أصحاب المحال التجارية. يتمركز عدد من عناصر قوى الأمن الداخلي عند باب المجمّع، يتناولون طعامهم ويشربون قهوتهم فيما قاطع الطلاب صفوفهم وأهملوا عامهم الدراسي. يشير أحد العناصر إلى عدم قدوم الدكاترة أيضاً، وحضر طلاب «بالمفرّق» صباحاً. وستنعكس هذه العطلة القسرية سلباً على الطلاب، إذ إنّ العام الدراسي شارف على نهايته، ما قد يؤدي إلى تأجيل الامتحانات أو تمديد السنة الدراسية إلى أشهر الصيف.
ويلفت عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية الدكتور أحمد حطيط، في هذا الإطار، إلى خطة كانت قد وضعت سابقاً لتحديد موعد الامتحانات في كل فروع الكليّة، إلا أنّ أحداث الشمال أدّت إلى عدم الالتزام بهذه المواعيد في فرع طرابلس. وعن سبب الإقفال، يشير حطيط إلى «عدم تعريض الطلاب للمخاطر»، وخصوصاً أنّ موقع المجمّع دقيق والطلاب يأتون من كل قرى الشمال. ويؤكد حطيط متابعة الأوضاع يومياً بهدف استئناف العام الدراسي، لافتاً إلى أنّ الأمر خارج عن إرادة الجسم التعليمي.
بدوره، يرى عميد كليّة التربية الدكتور مازن الخطيب أنّ متابعة الدراسة مستحيل قبل الأسبوع المقبل، بانتظار التطوّرات، «وتأزيم الأوضاع سيؤدي إلى التعطيل لفترة أطول». وقال الخطيب إنّ مجلس الوحدة أصدر تعميماً على كل الفروع لتكثيف البرنامج وزيادة ساعات إضافية، «مهما كان إمكان هذا التكثيف»، باعتبار أنّ هناك تأخيراً في البرنامج في كل الفروع. ورأى العميد أنه في حال استئناف العام الدراسي الأسبوع المقبل «لن يكون هناك أي تأخير جديد»، فينتهي العام كما كان مقرراً، وإلا فسيمتد التدريس حتى شهر آب. وفي هذه الحالة سيتأخر أيضاً انطلاق العام الدراسي المقبل، ليبدأ في تشرين الثاني.
على صعيد آخر، فتحت بعض مدارس طرابلس أبوابها أمام التلامذة، فحضر الأساتذة وموظفو الهيئة الإدارية، وجزء قليل من الطلاب. في ثانوية «المربي حسن الحجة الرسمية»، أشار الناظر العام نصر الدين الأيوبي إلى عدم قدوم التلامذة منذ نهار الاثنين، الذي كان محدداً نهار إقفال من جانب وزارة التربية والتعليم العالي. وأوضح الأيوبي أن الدراسة استؤنفت لصفوف الشهادات الثانوية ابتداءً من أمس، إذ حضر الطلاب» لإجراء امتحاناتهم النهائية تمهيداً للامتحانات الرسمية في 21 حزيران، «حتى إنّ قسماً لا بأس به لم يحضر اليوم». وعن باقي السنوات الدراسية، لفت الأيوبي إلى عدم قدوم التلامذة، في ظل غياب عدد من الأساتذة أيضاً. لم تتضرر هذه الثانوية جراء الاشتباكات الأخيرة، إلا أنّ عدداً من الموظفين تحدثوا عن الخوف الكبير الذي أصابهم جراء الأحداث نهار الثلاثاء، ويحمدون الله «أنّ التلامذة كانوا غائبين».
حضر بعض التلامذة إلى مدرسة الزاهرية الرسمية للصبيان، لكنهم صُرفوا مجدداً لعدم وجود العدد الكافي من زملائهم. يرى هؤلاء، رغم صغر سنّهم، أنّ «متابعة الحياة بشكل طبيعي، هي نوع من التحدي للإرهابيين»، وطريقة للتعبير عن التشبّث بالحياة. يلفت محمد، أحد المدرّسين في هذه المدرسة، إلى «أنه لا يحضر إلى المدرسة هذه الأيام إلا من يهتم بالحصول على علامات عالية»، مشيراً إلى حضور الجسم التعليمي والإداري بشكل كامل، كما يبرّر خوف الأهالي على أطفالهم ويقول «حتى نحن لا يمكننا تحمّل المسؤولية كاملةً» لأنّ الأوضاع الأمنية سيّئة.
وفي منطقة «أبي سمرا» لم يحضر أي من تلامذة مدرسة أبي فراس الحمداني بحسب المدير حمد سليمان. ورغم الأوضاع التي تعانيها طرابس، حضر كل الأساتذة في ظل غياب كلّي لأبناء المدرسة.