رأى رئيس الجمهورية إميل لحود أن التطورات الأمنية الأخيرة «جزء من مخطط يهدف إلى إضعاف لبنان، من خلال إرباك الجيش وتعطيل قدراته على حماية وحدة الوطن وشعبه، لتغرق البلاد في الفوضى والمواجهات المسلحة بحيث توجه الأنظار إلى لبنان، لتحجب عن مواقع مضطربة أخرى مثل العراق، ولتمرير المخططات المعادية وفي مقدمها مخطط التوطين». وقال إنه لا بديل عن معاقبة المعتدين على الجيش.فقد التقى لحود نقيب المحررين ملحم كرم الذي أبلغه تهانئ الصحافيين بذكرى التحرير، ونقل عنه تأكيده أن تحرير لبنان عام 2000 «باستثناء مزارع شبعا، لم يكن وليد المصادفة، بل هو نتيجة نضال طويل خاضه الشعب اللبناني ضد المحتل، ودفع ثمنه غالياً في الأرواح والممتلكات. والكل اليوم يعرف أن هذا الإنجاز ما كان ليتحقق لولا المقاومة الباسلة، التي كان أبطالها شباناً في ربيع العمر بذلوا دماءهم دفاعاً عن أرضهم، ولولا الجيش الذي دعم هذه المقاومة وخاض معها المواجهة جنباً إلى جنب، ولولا احتضان الشعب اللبناني بأسره لجيشه ومقاومته»، مشيراً إلى أن هذه المقومات كانت أيضاً وراء الانتصار التاريخي للبنان على إسرائيل الصيف الماضي».
وشدد لحود «على صواب الخيار الاستراتيجي للبنان، بالحفاظ على مقاومته في وجه إسرائيل وأطماعها ورغبتها في الانتقام، حتى استرجاعنا لكامل حقوقنا في الأرض والمياه والأسرى، وحتى حلول السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة، الذي يفرض تلقائياً التخلي عن خيار المقاومة»، مشيراً إلى «أن هذا الخيار وحده، هو الذي حمى لبنان الصيف الماضي، من أن تعيد إسرائيل احتلال جزء من أرضه وتفرض عليه مطالبها، تحقيقاً للهدف الأكبر الذي تسعى إليه، وهو توطين مئات الآلاف من الفلسطينيين في أرضه وحرمانهم العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم».
وقال إن «الذين اعتدوا على الجيش والقوى الأمنية من تنظيم «فتح الإسلام»، ارتكبوا جريمة كبرى لا بد أن يحاسبوا عليها. فقد ولّى الزمن الذي يعتدى فيه على الجيش وتتم تسوية ما يحصل، ولا سيما أن المنظمات الفلسطينية دانت بشدة استهداف الجيش وأبدت استعدادها للتعاون مع الدولة في المعالجة المناسبة للوضع الشاذ في مخيم نهر البارد. كما أن المواقف التي صدرت عن القيادات الروحية أكدت أن الإسلام براء من الإرهابيين المعتدين. وانطلاقاً من هذه المعطيات فإن الدولة حريصة على سلامة الشعب الفلسطيني وأمنه واستقراره، مصممة في الوقت نفسه على عدم التهاون مع عصابات الإرهاب التي تعمل على تقويض الأمن في كل البلاد، والإجماع اللبناني الذي برز حول الجيش الوطني، خير سند».
أضاف: «لقد سقط في صفوف الجيش شهداء أبطال قضى بعضهم بأسلوب غادر وجبان، ولا يمكن الدولة أن تقبل بأي شكل من الأشكال أن يستهدف حماة الوطن وأن يغدر بهم، لذلك لا بديل عن معاقبة المعتدين وتقديمهم أمام القضاء، فلا تسوية ولا مساومة على دم الشهداء العسكريين الذين يواجهون في الجنوب العدو الإسرائيلي ويسهرون على أمن جميع اللبنانيين والموجودين على الأرض اللبنانية من دون استثناء».
ولفت إلى أن دعوته القيادات إلى التلاقي والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية وفك الاعتصامات في الوسط التجاري «ليست جديدة، ففي كل محطة دقيقة من المحطات التي مر بها لبنان منذ سنتين وحتى اليوم، كنت أدعو إلى الحوار والتفاهم بين اللبنانيين، ولعل ما حصل خلال الأسبوع الماضي من تطورات دفعني لتوجيه نداء جديد إلى القيادات اللبنانية للالتقاء والخروج بحلول وطنية جامعة أهمها تشكيل حكومة وحدة وطنية، لأنه إذا لم يُجمع اللبنانيون اليوم على إنقاذ بلدهم فمتى يفعلون؟».
وأعرب عن ثقته «بأن المؤامرة لن تمر في لبنان إذا واجهها اللبنانيون بموقف واحد وبتضامن مثالي. أما إذا أصر البعض على المكابرة والاستقواء بالخارج ورفض الحوار والاتفاق فإنهم بذلك يسهلون محاولات نحر الوطن، وهذه المرة على مذبح مصالحهم الشخصية ومكاسبهم الذاتية».
وعن تقويمه لردود الفعل التي صدرت على مبادرته، قال: «ما صدر حتى الآن من ردود فعل بعضه واقعي وموضوعي، والبعض الآخر غير جدي، وثمة مراجع معنية بالدعوة لم تبد رأيها صراحة بعد، ولا بد أن تعطى الوقت لدرسها من كل النواحي حتى تكون أي خطوة في أي اتجاه كان، خطوة لتحقيق النتائج المرجوة»، مضيفاً: «إلا أنني أسأل أولئك الذين يمكن أن يرفضوا المبادرة، ما هو البديل للحوار والتلاقي، وما هي رؤيتهم لإخراج البلاد من الأزمة الراهنة المرشحة للاستمرار. أقول لهم بكل محبة إنه مهما طالت الأزمة فلا بد لها من حل يقوم على اللقاء والحوار وصولاً إلى التوافق، فلماذا إضاعة الوقت وتعميم الخلافات والسماح بالإساءة إلى الاستقرار والسلامة العامة، وإلحاق الأذى بالاقتصاد؟ لقد كفى اللبنانيين ما عانوه من عذاب وقهر وألم وقلق، فلنفتح لهم أبواب الأمل والرجاء بعدما كاد اليأس يسكن قلوبهم وعقولهم ولنعط فرصة إضافية أمام الحل، علنا نتمكن من تمضية صيف هادئ يتطلع إليه اللبنانيون بأمل كبير ويطالبنا به الأشقاء العرب والأصدقاء في كل دول العالم».
وختم بالإشارة إلى أنه لا يزال متفائلاً بالمستقبل «رغم كل ما يشير إلى خلاف ذلك»، لأنه على ثقة بـ«أن اللبنانيين أقوى من الألم، وستتغلب بالنهاية أرادة التلاقي في عقولهم وقلوبهم وقناعاتهم».
(وطنية)