فداء عيتاني
فقراء طرابلس يتململون و تعبئة عفوية تجبر عدداً من علماء السنة على الحديث عن «الظلم»

«صار من الصعب ضبط الشبان في طرابلس»، يقول أحد أئمة المساجد من السلفيين. الشيخ الشاب، المحنك سياسياً، من المتهمين بمجاراة تيار «المستقبل»، إلا أنه اليوم يوجّه سهاماً قاسية ضد التيار وضد السلطة بكاملها، وينتقد الجيش الذي «يقوم بأعمال سيئة ضد المسلمين، ولولا تهدئتنا للخواطر لكان الأهالي قد فتكوا بالجيش في طرابلس نفسها وأنهوا المسألة خلال ساعات»، محذّراً من أن زمن تهدئة الخواطر «ليس طويلاً».
في طرابلس تروّج شائعة مفادها أن أحد المعتقلين (بلال رضوان) قُتل تحت التعذيب، لكن أهل المعتقل لم يتسلّموا جثته بعد، ولا يعرفون إذا كان ابنهم قد قتل خلال الاشتباك أم أُسر حياً، إذ إن القوى النظامية لا تسلّم جثث القتلى دفعة واحدة حتى لا تثور ثائرة المواطنين، بعد تحوّل عدد من الجنازات إلى احتفالات من الصخب والغضب السياسيين.
في الماضي القريب، كان أحد علماء الدين من السلفيين يناور لإبراز موقف قليل الحدة ضد تيار «المستقبل»، إلا أنه اليوم يتحدث عن «دفع الأمور دفعاً إلى الكارثة»، على رغم أنه لا يدين بالجهاد في كل الظروف، ويرى أن الجهاد القتالي في لبنان خطأ في الظروف الراهنة. إلا أنه، شأن زميله الآخر، يحذّر من التمادي في المعارك والقمع، وخصوصاً أن لـ«فتح الإسلام» «امتدادات أخرى في مخيمات ومناطق كعين الحلوة والجنوب (والبقاع) وحتى بيروت، فمن يضمن عدم انفجار الوضع برمته؟».

المفاوضات

تسير المفاوضات عسيرة، من طرابلس إلى البارد إلى بيروت إلى صيدا. في ليل طرابلس يمضي موظفو «الأونروا» أياماً طيبة في المقاهي وعلى الكورنيش البحري في الميناء، بينما يشاهدون عمليات دكّ المباني الفقيرة في نهر البارد بالمدفعية الثقيلة. وفي المساجد يلتقي العلماء للوصول في محاولة لكسر الجدار الصخري بين الجيش و«فتح الاسلام». وفي النهار تدخل شاحنات لقوى الأمن الداخلي إلى قرب مسجد عيسى ابن مريم حيث يستقر الشيخ هاشم منقارة، ويترجل من الشاحنات 500 عنصر، كما يروي منقارة، وينتشرون في المنطقة لهدم مخالفة بناء في المسجد، قبل أن يرحلوا. وفي منزل في حي التبانة تداهم القوى الأمنية شقة محدثةً حالاً من الهلع بين الناس، فيكتشفون في الشقة دهّاناً فلسطينياً يعمل، للمرة الأولى، بعد بطالة استمرت عامين.
المفاوضات تجري على خلفيات معلومات تقول إن الاعتقالات في طرابلس والمناطق المحيطة بها شملت حتى الآن 200 شاب، وإن هؤلاء لا ينتمون بمعظمهم إلى «فتح الإسلام»، إلا أن ثمة من يقول إن المفاوضات كسرت أول حاجز، ألا وهو إصرار كل طرف على موقف واحد: «فتح الإسلام» تطالب بفك الحصار وعودة الأمور إلى ما كانت عليه وتسليمها المعتقلين، والجيش يطالب باستسلام غير مشروط لعناصر الحركة.
«صار اليوم باب التفاوض مفتوحاً»، يقول أحد الذين يتنقّلون بين بيروت وطرابلس وصيدا، للتمهيد لأجواء تفاوضية مقبولة، بينما يتحرك الشارع سريعاً نحو تعبئة عفوية تجبر عدداً من علماء السنة على الحديث عن «الظلم»، علماً أنهم ممن سبق أن شاركوا في إعطاء غطاء للقوى الأمنية في اجتماع معلن يوم الأحد في 20 من الشهر الماضي.

جنون سياسي

أحد العلماء الشبان الناشطين من خارج التيار السلفي يتحدث عن اجتماع الأحد بصفته غطاءً لعملية إعدام جماعية، ويقول إن «جنون البقر السياسي هو ما دفع بفريق السلطة إلى الاعتقاد بإمكان الاستفادة من فتح الإسلام في البداية، قبل أن يكتشف أن هؤلاء ليسوا بوارد الانغماس في المشكلة المذهبية». ويوافقه في تحليله أحد العلماء السلفيين، الذي يحمّل المسؤولية الى من يقرع طبول «الأخطار المهددة لأهل السنة في لبنان»، متسائلاً: «إذا كان أهل السُّنة مهددين فمن يهددهم؟ وبما أن المنطق السائد هو عن أن السنة، لا المسلمين، مهددون، فإن هذا يعني، بالتالي، أن مذهباً آخر يهددهم أي الشيعة»، ليخلص الى أن «فتح الإسلام» «استفادت من هذه الأرضية وبنت عليها من دون أن تتورّط فيها».
العالم الشاب غير السلفي يقول إن ثمة «إمبراطوريتين» على سطح الأرض: الولايات المتحدة و«القاعدة»، وكلتاهما «تتجاوزان السيادات الدولية الصغيرة وتعبران القارات في صراعهما، وتطيحان بالدول والبلاد. والآن ثمة من يعتقد بأنه بالتحالف مع الولايات المتحدة في لبنان سيحفظ السيادة، علماً بأنه يفتح الباب واسعاً للإمبراطورية الثانية للتدخل في لبنان، بعدما أدخل فتح الإسلام ورعاها».
«القاعدة تخوض حرب حياة او موت، وشبان فتح الإسلام يملكون عقلية القاعدة وحتى نمط تدريبها وإنْ من دون صلة تنظيمية معها»، يقول متابع يملك اكبر قاعدة بيانات في الشمال عن التنظيمات الإسلامية. ويضيف: «ما الذي أعاد وليد البستاني (أحد رموز حركة التوحيد سابقاً) من الدنمارك ليتردّد أنه بين القتلى في طرابلس، وما الذي أتى بصدّام ديب وهو شقيق المعتقل في ألمانيا يوسف ديب، وبعد الحكم عليه بالإعدام في سوريا وقتله لاثنين من رجال الأمن السوريين إلى هذه المجموعة؟ وكيف انضمّ جميل حمود المتهم في أحداث الضنية إلى المجموعة؟ وكيف التحق بهم شابان فلسطينيان من مخيم عين الحلوة ومن ال هياني؟ وكيف انضمّ اليهم أهم رموز القاعدة في بلاد الشام أبو طلحة (السعودي عبد الرحمن يحيى) وقتل في البارد؟ وأبو يزن (محيي الدين عبدو السوري الجنسية وقتل في الاشتباكات) وهو المتهم في تفجيرات عين علق؟».
بعد كل هذه الأسئلة يجيب صاحب قاعدة البيانات: «من الغباء محاولة تيار المستقبل الاستفادة من فتح الإسلام، وهم حاولوا في الماضي وفشلوا، كما أن من الجنون الاعتقاد بأنهم عملاء لسوريا. هؤلاء يريدون الموت، وتعلم الأجهزة الأمنية ذلك، وهي لم تتعرّف على كل الجثث التي بين يديها، ولا تعرف عنهم إلا أنهم يريدون القتال حتى النهاية».

قبل الموت أهداف خيالية

ولكن من يعرف مجموعات «فتح الإسلام»، جيداً، يتحدث عن أهداف سياسية، «لقد استفادوا من مناخ شحن مذهبي»، بحسب أحد العلماء الوهابيين السلفيين، فيما يقول أحد الناشطين السياسيين الذي لطالما خالط قادة «فتح الاسلام» إن هؤلاء «أتوا لأربعة أهداف يتحدثون عنها صراحة، وهي: نصرة أهل السنة في لبنان حيث يعتقدون أن السنة مظلومون في المنطقة بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص، ومحاربة الأميركيين في العراق وإسقاط المشروع الأميركي في لبنان، ومحاربة القوات الدولية التي أتت إلى لبنان لاحتلاله ووضعه في الفلك الأميركي، إضافةً إلى الهدف المركزي عند كل الحركات الإسلامية ألا وهو المساهمة في تحرير القدس».
ويضيف الناشط الذي أُتيح له التعرف على «فتح الإسلام» عن كثب إنه «بعد انتفاء إمكان الصراع المذهبي في لبنان تحوّلت فتح الإسلام إلى عبء على قوى السلطة، وكانت بحاجة إلى حسم هذا الملف لعدة أسباب، أوّلاً لإبقاء الشمال منطقة نفوذ حريرية آمنة، ومركز ثقل لقوى 14 آذار، وخصوصاً أن وضع بيروت مضطرب ومتشعب، والجبل ليس ممسوكاً بالكامل، والجنوب بيد الخصم والبقاع منقسم، والشمال هو المكان الذي يمكنه استضافة حكومة تنتخب رئيساً للبلاد في القليعات، وتدير البلاد ضد حكومة أخرى محتملة من عاصمة الشمال، أضف إلى ذلك أن الحديث عن تحويل قاعدة القليعات الجوية إلى قاعدة ناتو يبدو أكثر واقعية يوماً إثر آخر، والاشتباكات في الشمال مع «فتح الإسلام» ومحاولة تصفيتها ستفتح الباب واسعاً أمام طلب معونة دولية لمراقبة الحدود مع سوريا وضبطها، كما لطلب معونة لإنهاء ملف المخيمات وسلاحها».
إلا أنه ظهر أن في المخيمات أكثر من عشرات المقاتلين، وظهر أنهم أكثر من مجرد «مرتزقة سوريين»، وبدا أنهم يقاتلون قتال «القاعدة في بلاد الشام»، ويصارعون على هوية طرابلس ومقتنعون بأن الشمال مدخل إلى ... الجنّة!