البقاع ـ عفيف دياب
عادت مواقع الجبهة الشعبية ـــ القيادة العامة وحركة فتح ـــ الانتفاضة «المتموضعة» في البقاع إلى الواجهة مجدداً إثر الاشتباكات الدائرة بين الجيش اللبناني وحركة فتح الإسلام التي تتخذ من مخيم نهر البارد موقعاً استراتيجياً أساسياً.
وارتفاع الأصوات السياسية اللبنانية حول دور مواقع القيادة العامة في البقاع وتالياً فتح الانتفاضة ووجوب إقفالها نهائياً ألزم القوى الأمنية اللبنانية اتخاذ إجراءات أمنية مشددة حول هذه المواقع الباقية في منطقة البقاع بعد أن عرف «عزاّ» ومجداً فلسطينياً.
وحركة فتح ـــ الانتفاضة التي ولدت في سهل البقاع سنة 1983 إثر «الانتفاضة» المدعومة سورياً ضد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وبعد مقتل العميد سعد صايل في عملية اغتيال على طريق ديرزنون ـــ المصنع، هي الوحيدة «الصامدة» اليوم في البقاع مع القيادة العامة خلافاً لبقية الفصائل الفلسطينية التي أقفلت مواقعها ذاتياً أو قسراً منذ ما قبل اتفاق الطائف وما بعدهبنادق» الثورة، أو ما بقي منها في البقاع عادت الى الواجهة بعد أن كانت منسية في مجاهل «الأنفاق» والأودية في الجرود الوعرة. فمنذ اتفاق القاهرة، الذي نظم العلاقة اللبنانية مع الثورة الفلسطينية سنة 1969 بعد إشكالات واشتباكات مع الجيش اللبناني الذي لم يستطع، نتيجة الانقسام السياسي اللبناني حول الموقف من الثورة، ضبط فلتان السلاح الفلسطيني الذي وجد في هضاب سهل البقاع «تربة» خصبة نجحت في «إنبات» عشرات المنظمات والمجموعات الفلسطينية المسلحة، ومنها حركة فتح الانتفاضة التي ولدت من رحمها فتح الإسلام.
وبعد اتفاق الطائف عام 1989 وبدء حل الميليشيات اللبنانية المسلحة تراجع العمل العسكري للتنظيمات الفلسطينية في سهل البقاع، ولكنها لم تسلّم أسلحتها الى الجيش اللبناني حيث بقيت «المظلة» السورية هي الحامية لبعض الحركات الفلسطينية من قرار الطائف اللبناني ولا سيما الجبهة الشعبية ـــ القيادة العامة وحركة فتح الانتفاضة. المواقع الفلسطينية التي انتشرت سابقاً في البقاع بشكل اتسم بالفوضى وقلّة التنظيم والتدبير بدأ تراجعها مع قرار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (جورج حبش) بإقفال وإخلاء جميع مواقعها في البقاع والمناطق اللبنانية الأخرى لمصلحة العمل المسلح في الداخل الفلسطيني عام 1997، ولحقت بهذا الفصيل «المؤدلج» ماركسياً الجبهة الديموقراطية وجبهة النضال وغيرهما من المنظمات لتخلو ميادين البقاع وجروده للقيادة العامة وفتح الانتفاضة وقوات الصاعقة وحركة فتح ـــ المجلس الثوري التي أقفلت جميع مراكزها سنة 1994 لتحصرها في مخيم عين الحلوة قبل أن تنتفي نهائياً مع مقتل زعيمها بظروف غامضة سنة 2003 في بغداد.
بعد الانسحاب السوري من لبنان في نيسان 2005 أقفلت منظمة الصاعقة جميع مراكزها في البقاع وحلّت تنظيمها اللبناني، وتراجعت القيادة العامة وفتح الانتفاضة من السهل نحو الجرود والأودية بعيداً عن المناطق المأهولة بالسكان في مشهد لا يختلف عن الذي كان سائداً سنة 1968. فالانسحاب السوري أدخل تعديلات على وضع التنظيمين اللذين وجدا في «العودة» الى الجرود الوعرة خير وسيلة لاستمرار «الثورة» حتى تحرير فلسطين وعودة اللاجئين، فأقفلت فتح الانتفاضة جميع مراكزها ومواقعها العسكرية والسياسية وحتى الاجتماعية في البقاع الأوسط وبعض قرى البقاع الغربي (المنارة، والصويري، وعيتا الفخار) لتعود إلى الأودية والتلال النائية في سلسلة جبال لبنان الشرقية الجنوبية عند حدود سوريا مباشرة، فيما لم يعد للقيادة العامة أي وجود عسكري إلا في أنفاق تحت الأرض في جرود قوسايا وهضاب السلطان يعقوب والفاعور ودير الغزال، وهي تعود لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن.