باريس ــ بسام الطيارة
بدأت بوادر «القطيعة» التي وعد بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، مع سياسة العهد السابق، تظهر رويداً رويداً على ملامح الدبلوماسية الفرنسية، وخصوصاً في ما يتعلق بالشرق الأوسط. وكان أول الغيث ما شهدته باريس من نشاط مكثف حول الملف اللبناني، بعد يومين على زيارة وزير الخارجية برنار كوشنير إلى بيروت، التي أكد فيها بطريقة غير مباشرة استعداد فرنسا للانفتاح على القوى السياسية كافة.
فإضافة إلى زيارة النائب ميشال عون، أكدت مصادر موثوقة لـ«الأخبار» أن اتصالاً مباشراً تم بين «نائب لبناني من حزب الله ووزارة الخارجية الفرنسية» بهدف تدبير لقاء للنائب مع «موظفين كبار على المستوى الإداري». ورغم تكتم المصادر على نتيجة التواصل هذا، فقد علمت «الأخبار» أن الاجتماع لم يتم «لأسباب تتعلق بأجندة الطرفين».
إلا أن هذا لم يمنع الناطق الرسمي المساعد للخارجية الفرنسية دوني سيمونو من تأكيد «خبر التقارب هذا» وعدم وجود أي مانع لدى السلطات الفرنسية من التباحث مع حزب الله.
وكانت العاصمة الفرنسية قد ضجّت بالتسريبات التي تتحدث عن «فتح ملف الرئاسة اللبنانية»، التي صادفت مع وجود عون ونائبين من حزب الله فيها. وذكرت أوساط دبلوماسية أن العهد الجديد الذي «طوى صفحة الشيراكية في لبنان» يريد إعادة فتح القنوات مع قوى المعارضة التي كانت مقفلة لأسباب كثيرة.
ويشدد مصدر مقرب من الملف اللبناني على أن «المحكمة التي سوف تقر خلال ساعات» في مجلس الأمن باتت وراء الأحداث، وأن «التكلس» الذي كان يحصل حول هذا الموضوع وكان يمنع الفرقاء اللبنانيين من الالتفات «إلى أمور أخرى لا تقل أهمية» مثل انتخابات الرئاسة والحكومة الوطنية، هو في طريق الزوال، وأن باريس تريد «الدفع باتجاه العودة إلى الحوار الوطني».
ورغم تشديد عون في المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس، على أن وجوده في العاصمة الفرنسية هو فقط لمناسبة صدور كتابه الجديد «نظرة معينة إلى لبنان»، فإن عدداً من المصادر الدبلوماسية يتحدث عن «فتح ملف الرئاسة في باريس».
إلا أن مصادر أخرى تقول إن ما يفرق بين مواقف باريس والمعارضة اللبنانية ما زال «تبايناً ذا وزن» رغم التقارب الكبير. ويمكن قراءة ذلك بين سطور إجابات عون عن أسئلة الصحافة، وخصوصاً قوله إن النقاش خلال لقائه مع كوشنير «تطرق إلى كل شيء وإلى لا شيء»، وتأكيده أن «العهد الجديد لديه نظرة جديدة للأمور اللبنانية»، وأن «الرجال يتغيرون بينما العلاقة بين الشعبين اللبناني والفرنسي تبقى».
ويستصعب البعض «هضم» استمرار هذا التباين بسبب التوجه الفرنسي لـ«وضع الملف اللبناني ضمن مجموعة ملفات المنطقة» في «إطار إعادة تقويم كامل للدبلوماسية الفرنسية في الشرق الأوسط». وبدأت خيوط هذا «التموضع الجديد» بالظهور عبر تصريحات رسمية. إذ أكد الناطق الرسمي المساعد في لقائه الأسبوعي أمس أن فرنسا «مستعدة لمناقشة الوضع اللبناني مع إيران». ويرى الوسط الدبلوماسي في هذه المقاربة رغبة بتوسيع رقعة الحلول «شرق أوسطياً». ووضع البعض الانفتاح على المعارضة ضمن «الخطة الجديدة» التي تنتظر صدور قرار إنشاء المحكمة لتتجاوز الملف اللبناني إلى الملفات الأخرى.
وعلمت «الأخبار» أن المستشار الجديد لساركوزي، جان دافيد ليفيت، الذي كان سابقاً سفيراً في واشنطن قد توجه الى أنقرة. ورغم أن «الهدف المعلن» للزيارة هو الانفتاح على تركيا بسبب مواقف ساركوزي الرافضة لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن مصادر مقربة تقول إن «الشراكة الشرق أوسطية» التي تكلم عليها الرئيس الفرنسي الجديد خلال الحملة الانتخابية سوف تكون في خضم المشاورات ومن باب التحفيزات لتركيا للعب دور أكبر في المنطقة، وخصوصا أن ليفيت من محبذي «المقاربة الشاملة» لمسألة الشرق الأوسط، ويقف وراء فكرة «الشراكة».