أنطون سعد
حمل النواب الموارنة الأعضاء في «تكتل التغيير والإصلاح» إلى بكركي في نهاية الأسبوع الماضي بتوجيه من العماد ميشال عون مبادرة متكاملة لإرساء قاعدة تفاهم مع البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير للتنسيق معه لمواجهة الاستحقاقات في المرحلة المقبلة الممتدة حتى الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل، وأبدوا الاستعداد الكامل للتجاوب مع أي مسعى بطريركي يرمي إلى رعاية توافق مسيحي حول الاستحقاق الرئاسي مذكرين بأنهم أول من أعلن التزامه ورقة الثوابت وميثاق الشرف اللذين صدرا عن بكركي في الشهر الأخير من العام الماضي.
تطرق هذا الاجتماع بالعمق إلى كل المسائل المطروحة على الساحة السياسية. وقد أخذ النواب الموارنة في التكتل هذه المبادرة «لأن الظرف خطير، والمرحلة دقيقة، والتمايز المقبول في الأوقات العادية بين التكتل وبكركي، ينبغي أن يضمحل في ظل الوضع القائم»، بحسب مصدر في الوفد النيابي الذي حرص أعضاؤه على أن يوضحوا لسيد بكركي المسائل الآتية:
1ــــــ إن التمايز في الرؤية بين القادة المسيحيين ليس من شأنه أن ينعكس سلباً فقط على مشروع توحيد المسيحيين بل أيضاً على مشروع تحقيق الوحدة الوطنية التي يفترض أن ترتكز على رؤية يشارك المسيحيون في صوغها. وفي رأي نواب التكتل الموارنة، ثمة محاولة لتعطيل الدور المسيحي المشارك في عملية بلورة الوفاق الوطني عبر الدخول على المسيحيين من خلال أبواب مختلفة.
2ــــــ في كل الطوائف اللبنانية أكثرية وأقلية. بيد أن الأقليات في غير الطوائف المسيحية لا تضرب الأكثريات عندها ولا تعطل دور المرجعيات السياسية الحائزة ثقة ناخبيها أو الالتفاف عليها وتجاوزها.
3 ــــــ محاولة الأكثرية استعمال الكنيسة لمواجهة المرجعية السياسية المسيحية الأولى عبر القول أو الادعاء بأنها متفقة مع البطريرك بغية تجاوز هذه المرجعية السياسية. ومثلما أنه من غير الممكن أن يبادر أحد إلى القول بأنه وراء المفتي لتجاوز تيار المستقبل أو حزب الله، لأن ثمة اتفاقاً بين المرجعيات الدينية والسياسية في كل الطوائف غير المسيحية، ويجب تحقيق توافق بين المرجعيتين الدينية والسياسية عند المسيحيين.
4 ــــــ لا بد من تكامل في الأدوار بين بكركي، المرجعية الروحية صاحبة الرؤية الوطنية الشاملة والمدافعة عن لبنان ورسالته، و«تكتل التغيير والإصلاح» المرجعية السياسية المسيحية الأولى المؤتمنة على تطلعات الرأي العام الذي انتخبها والذي تعود له مسؤولية محاسبتها في الانتخابات المقبلة. ولا بد من إقفال الباب أمام كل محاولة لوضع المرجعيات في مواجهة بعضها بعضاً، خصوصاً لأن ذلك يعطل الدور المسيحي ويفقده فاعليته وينقل الصراعات على المستوى الوطني إلى داخل الساحة المسيحية.
5ــــــ في موضوع الاستحقاق الرئاسي ثمة حاجة للاختيار بين أن يكون مجرد محطة عبور أو مدخلاً للحل المتكامل والخروج من الأزمة. وبما أن الاتجاه المسيحي العام هو نحو الخيار الثاني فيجب ألا يُفسّر الحق الدستوري بالتغيب عن جلسة الانتخاب على أنه تعطيل لممارسة الديموقراطية. ففي الانتخابات الرئاسية سنة 1976، عمل النواب صائب سلام وريمون إده وكمال جنبلاط على تعطيل النصاب، والثلاثة يعدّون من فرسان العمل الديموقراطي اللبناني.
6 ــــــ هذا لا يعني أن التعطيل لفرض مرشح هو المطلوب، بل على العكس، المبدأ هو المشاركة لكن من خلال الضغط والتفاوض في الأشهر الأربعة المقبلة من أجل الوصول إلى حل شامل لأزمة النظام لا من أجل فرض مصلحة شخصية أو حزبية ضيقة. وتساءل النواب الموارنة في «تكتل التغيير والإصلاح» أمام البطريرك: «هل المطلوب أن نتخلى عن مطالبنا حتى من دون أن نفاوض؟».
7ــــــ لقد مارس المجتمع الدولي إبان الانتخابات النيابية الأخيرة ضغوطاً كبيرة لكي تحصل الانتخابات في موعدها، وجرت وأتت بالمجلس النيابي الذي هو موضع تشكيك، وتفاقمت الأزمة السياسية في لبنان بدلاً من أن تجد لها حلاًّ في الانتخابات. ألم يكن من الأجدى أن تحصل محاولات حثيثة أكثر لتصحيح قانون الانتخاب؟ أما كان من الممكن تجنيب لبنان من خلال ذلك التعقيدات التي يعيشها اليوم؟ ألا يجب اليوم الاتعاظ من هذه التجربة والسعي إلى حصول انتخابات رئاسية بالشكل الذي يؤمّن مدخلاً حقيقياً وجذرياً لحل الأزمة القائمة؟.
يؤكد المصدر في الوفد النيابي أن اللقاء الذي استمر نحو ساعة ساده جو إيجابي وتخلله نقاش بنّاء مع البطريرك الماروني، الأمر الذي يشجع على جعل زيارة النواب العشرة الموارنة في «تكتل التغيير والاصلاح» دورية إلى الصرح البطريركي، وربما شهرياً قبيل انعقاد مجلس المطارنة الموارنة في الأربعاء الأول من كل شهر.