البداوي ــ عبد الكافي الصمد
في خطوة تؤشر إلى الواقع الإنساني السيئ الذي يعيشه نازحو مخيم نهر البارد تداعى أمس النازحون المقيمون في مخيم البداوي إلى اعتصام رمزي نفّذوه في باحة مدرسة الناصرة المختلطة التابعة للأونروا، من أجل المطالبة بالعودة إلى منازلهم في مخيم نهر البارد.
لكن الأمور لم تتوقّف عند هذا الحدّ، إذ في حمأة الانفعال والحماسة، وتزايد الأعداد المتقاطرة للمشاركة في الاعتصام، خرج من وسط الجموع من يدعو إلى العودة إلى مخيم نهر البارد، ولو سيراً على الأقدام. وقد لاقت هذه الدعوة استجابة سريعة، وخصوصاً أنّ مخيم البدّاوي بات يرزح تحت ضغط سكاني كبير، بعدما فاق عدد النازحين إليه من يقيمون داخله، وبدأت انعكاسات الأزمة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية تظهر فيه تباعاً، من خلال سلسلة مشاكل كادت تتطور نحو الأسوأ لو لم يتم العمل على استيعابها سريعاً. وبعد خروج المتظاهرين من المدرسة، ساروا وسط الشارع الرئيسي وصولاً إلى مدخله الشمالي عند منطقة جبل البدّاوي، قبل أن ينعطفوا نزولاً باتجاه الطريق الدولي، وهم يردّدون الهتافات والشعارات.
وما إن وصل المتظاهرون الذين ناهز عددهم 400 شخص إلى الطريق الدولي، حتى قام الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بإغلاق الطريق أمامهم نحو ثلث ساعة، وتسبب هذا بأزمة سير كبيرة، فضلاً عن حصول احتكاكات بين المتظاهرين وعدد من أبناء البدّاوي كادت تتطور إلى تضارب وتعارك بالأيدي، لو لم يعمل علماء وخطباء المخيمين على ضبط الأمور وتهدئة الوضع، وإعادة المتظاهرين إلى داخل المخيم، مشدّدين على ضرورة «الحفاظ على العلاقة الأخوية بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، وعلى أنّ الموضوع يجري ترتيب حلّ له بعيداً عن الانفعالات والمشاكل».
ومن اللافت أيضاً أن شباب مخيم نهر البارد الذين نزحوا إلى البداوي أرادوا التعبير عن معاناتهم بشكل مختلف عن الأنماط التقليدية التي سادت طيلة الفترة السابقة، فأصدروا بياناً حمل توقيع «شباب لم يستطع أن يبتسم لما حدث»، ووضعوا له عنواناً متناقضاً مع التوقيع هو «ابتسم أنت في مخيم نهر البارد».
وبرغم أنّ موقّعي البيان فضّلوا عدم الإفصاح عن أسمائهم، فإنّ أحدهم أشار لـ«الأخبار» إلى أنّهم «متعلمون، وذوو ثقافة جيدة؛ وهم متنوعون في انتماءاتهم السياسية، وأنّ مضمون البيان ولغته يدلّان عليهم». فالبيان الذي صيغ بلغة امتزج فيها الشعر غير الموزون بالنثر، يقول في مطلعه: «ابتسم لهذا الفتح الإسلامي الجديد، ابتسم لعودة الدين بعد زمن الكفر الطويل، ابتسم فالرايات خفّاقة لقتل كل بريء، ابتسم فأنت مسلم، بمعنى سلمت أمرك لغيرك».
ويضيف البيان: «ابتسم فقد كنت دوماً نكرة، مخيم ضاقت به خارطة لبنان، وها أنت الآن في وسط خارطة الكون وكل الناس تعرفك، فلماذا لا تبتسم، ابتسم لهذا اللجوء الجديد وقد يستصدر مجلس الأمن الموقّر قراراً جديداً بعودتك». ويسأل البيان: «من أين جاؤوا وكيف ولماذا، من موّل ودرّب وسلّح واستخدم وفجّر، إذا كنت تعرف .. ابتسم».
وضمن حملة الإغاثة الكبرى التي تقوم بها حركة حماس، أدخلت الحركة عدداً من القوافل إلى مخيم نهر البارد، كما قامت بتوزيع مساعدات غذائية وأدوات منزلية وثياب على النازحين. وشملت الحملة تحديداً العائلات النازحة إلى مخيم البداوي، ويقدّر عددهم بخمسة عشر ألف نسمة، والعائلات النازحة إلى باقي المخيمات الفلسطينية في لبنان، ويقدر عددهم بعشرة آلاف نسمة. كما افتتحت حركة حماس «مكتب التكافل والاخوة» عند مدخل مخيم البداوي قرب مسجد زمزم بدوام من 9 صباحاً حتى 11 ليلاً، لتسجيل النازحين وأخذ عناوينهم من أجل إيصال المساعدات إلى منازلهم مباشرة. وستنظم الحركة اليوم حملة لرش المبيدات، كما ستفتتح محل حلاقة مجاني للنازحين.
وعلى صعيد متصل وصلت قافلة مؤلفة من سبع شاحنات محملة مواد غذائية وأدوية وفرشاً وحليب أطفال وأدوات للتنظيف، مقدمة من «مؤسسة الشيخ خلف الحبتور» إلى دار الفتوى التي أرسلتها بدورها الى صندوق الزكاة في المدينة لتوزيعها على النازحين.