كوثرية السيادــ خالد الغربي برج قلاويه ــ آمال خليل

لم يكن في خلد حسن علي كركي الذي قتل أول من أمس في حادثة إطلاق النار على طريق المطار، أن يسقط ذات يوم في مكان خارج أرض المعركة ضد إسرائيل. هكذا كان حلم هذا المقاوم على حد تعبير العديد من أبناء بلدته الذين خرجوا عن الصمت الذي حاول «حزب الله» أن يلفه على شخصية فقيده وعلى المناسبة لضمان عدم التفوّه بأي كلمة طائشة قد تخرج تحت وقع المصاب من هنا أو هناك وتنال من قريب أو بعيد من الجيش، وكان للحزب ما أراد.
على عجل أقيمت خيمة العزاء في باحة منزل والده، نسوة اتّشحن بالسواد يبكين «حسن» ووالدته الكليمة تتهدج كلماتها الناحبة لكنها مع الفترة الوجيزة التي تلتقط فيها نفسها تقول بما يؤكد أمنيته «حرقة القلب أنه لم يستشهد وهو يقاوم في صفوف المقاومة ويا ولدي كنت منتظرة أن تُستشهد أثناء تصديك مع المقاومين خلال عدوان تموز، لكنك لم تُستشهد يومها واستشهدت في مكان آخر».
تدافُع المصوّرين لالتقاط صورة الوالدة جعل واحدة من المشاركات تقول «روحوا صوروا هناك مكان الحادث، مش هون»، تتدخل إحداهن لترطيب الجو «إنها من أهل القتيل ومفجوعة شو بدنا نعمل بعين الله».
مع خروج النعش ترتفع أصوات النسوة الله معك يا شهيد، عضو من حزب الله يبوح قليلاً عن دور كركي ويقول «كان قبل عشرة شهور من المجاهدين البارزين»، نسأله عن وظيفة وموقع الراحل ويجيبنا كمن يكتم شيئاً ما «بتواضع كان مجاهداً وتربّى في عائلة إيمانية ولأب عامل».
ما لم يفصح عنه عضو حزب الله من موقع ودور كركي في المقاومة تكشفه صورة الشاب متداخلةً مع صورة لمقاوم يحمل صاروخاً في أرض الميدان، ما ينبئ أنه كان في عداد القوة الصاروخية للمقاومة الإسلامية.
تسير الجنازة بهدوء كما أراد حزب الله الممسك تماماً بجمهوره، تغيب الانفعالات العشوائية، لا تسمع مواقف ثأرية أو مندّدة، والموكب يتقدم على الطريق الرئيسة حيث أقفلت المحال أبوابها، باتجاه مواراة الجثمان في الثرى.
رفع النعش وأصوات ما يصدح به عادة مناصرو حزب الله تعلو، بدا أنه موكب من مواكب شهداء المقاومة، لشابّ عمل في المقاومة، حتى لو وقع في مكان آخر.
وفي برج قلاويه، كان أكثر ما آلم عائلة علي قاسم نور الدين (54 عاماً) هو وصف بعض وسائل الإعلام له بالإرهابي وعدم بيان توضيح أو اعتذار من قيادة الجيش للحادث الذي أودى عرضاً به أول من أمس في مطار بيروت الدولي عندما أطلق عناصر من الجيش اللبناني النار على سيارة لم تمتثل لأوامرهم بالتوقف.
وفي التشييع الذي أقامه حزب الله عصر أمس، لم يحتشد سوى أهالي بلدته برج قلاويه المصدومين بعودته مساء جثةً هامدة بدل أن يعود ككل يوم من عمله كسائق تاكسي في مطار بيروت ويجول عليهم. حسين ضيا الذي كان يجلس بالقرب منه لدى وقوع الحادث أكّد أن علي «كان ينتظر دوره في المطار جالساً مع زملائه في الزاوية المخصصة لهم عندما سمعوا إطلاق رصاص كثيف صرخ خلاله علي مشيراً إلى خاصرته قبل أن يقع أرضاً ويفارق الحياة فوراً».
من جهته، دان عضو المجلس السياسي في حزب الله الشيخ خضر نور الدين «الحادث الخطأ على يد بعض العناصر الأمنية التي تدافع عن نفسها»، مطالباً القوى الأمنية «ومن دون الدخول في تفاصيل الحادث، بالحذر كي لا يسقط أبرياء لا ذنب لهم». واستغرب نور الدين «غياب أي تمثيل للقوى الأمنية في تعزية العائلة المفجوعة ومواساتها»، آملاً أن «يتحمل المسؤولون مسؤولياتهم وأن يعيدوا أخذ البلد إلى الاتجاه الصحيح».