راجانا حميّة
تتحسّس هويدا لمساتها، هل ما زالت قادرة على ابتداع ألوان الحياة؟ أو بالأحرى هل لا تزال قادرة على مواجهة زفرات الموت العابثة؟... ربّما، هذا ما تستطيع أن تجابه به تساؤلات كثيرة، فقد حاولت أن ترسم فقط، لكنّها رسمت ماضياً لم يمسسه خوف اليوم وحقده وتأوّهاته، رسمت صورتها الباسمة، صوّرت مدينة صيدا القديمة، لوّنت ماضياً وتأمّلات في محاولة الإفلات من براثن الواقع المهترئ.
«لمسة» هويدا ليست الوحيدة التي خرقت رحم الخوف والمعاناة، لقد سبقها إليها نحو سبعين طالباً من قسم التصميم الغرافيكي «Graphic design» في معهد الإدارة والكومبيوتر الجامعي. رصف الطلاب لمساتهم واحدة تلو الأخرى، و«سرقوا» مقتطفات من دواخلهم وتأمّلاتهم... ومن كلّ أنواع الفنون، فخرجوا بلمسة مشتركة، أطلقوها على اسم المعرض الذي تحتضنه جمعيّة الفنانين اللبنانيين، اليوم وغداً، تحيّة للفنانين الشباب. «لمسات» عنوان المعرض الذي يضمّنه طلّاب السنتين الأولى والثانية في «الغرافيك ديزاين» حصيلة عامٍ من الرسم والتصوير والتلوين وابتكار الحملات الإعلانيّة... والنجاح والفشل والتعب، لم يختاروا اسمه صدفة، بل تعمّدوا أن يكون «لمسة فوق لمسة، وكلّ واحدة منها فيها شيء من كل شيء». بدأت مسيرة «لمسات» مع بداية العام الدراسي، تخلّلها نسف الكثير من الأشغال، إلى أن وصلت إلى الجمعيّة بثمانين لوحة تنوّعت بين الرسم الزيتي والمائي والتنقيطي والتصوير الفوتوغرافي والـ«بورتريه» والـ «Collage» والـ «Typographie»، إضافة إلى لوحات الخداع البصري والرسم على الكومبيوتر. وركّز الطلّاب في لوحاتهم على خطف الأضواء من «الواقع الراهن الذي نعيشه» وتسليطها على جوانب مشرقة من البلد الصغير، فصوّروا أسواق المدن القديمة بالأبيض والأسود، بحيويتها وحركتها، ورسموا وجوهاً باسمة وأخرى حمّلوها أقسى ما يمكنهم من شجاعة. كذلك صمّموا لوحاتٍ إعلانيّة وملصقاتٍ تحارب التدخين «إذا ولّعتا بتطلع براسك، 159600 Deaths each year in cancer... thanks for smoking». ويتخلّل المعرض أيضاً، عرض بصريّ لعددٍ من الموضوعات مثل البيئة أو حملات دعائية لمحالّ تجاريّة. ورغم ذلك، «سرق» لبنان «الدامي» والآخر «المرتجى» زاوية في المعرض تحت عنوان «كرمالك يا لبنان»، فحمّلوا الأوّل يوميات صيفٍ قاسٍ وصوراً ومشاهد كثيرة «لحروب أخرى»، وحاولوا إعادة الحياة للثاني، فلم يفلحوا وخرجوا بقناعة تنسف احتمال العودة والتغيير «لشو بدنا نكون ببلد ناسي أصلو...». وحاول البعض توعية الشباب إلى الخطر المحدق بالبلد الصغير مع دعوة إلى أن «تحطّ عقلك براسك، لبنان مش حلو أسود».
ويلفت رئيس قسم «الغرافيك ديزاين» الدكتور شريف شهاب إلى أنّ لجنة مؤلّفة من خمسة أعضاء اختارت اللوحات الثمانين من بين نحو250 لوحة. وقد راعت اللجنة فيها البراعة والإتقان في الرسم والتصميم. ولم يجزم شهاب بأن تكون لأصحاب اللوحات المشاركة ميزة عن زملائهم، مؤكّداً أنّ المعرض يندرج في إطار العرض التشجيعي للطلّاب ومدّهم بالمعنويات اللازمة للاستمرار والاجتهاد. يُذكر أنّ المعهد قد دعا إلى افتتاح المعرض عدداً من شركات التصميم الغرافيكي، وأخرى للتوظيف من أجل إتاحة المجال أمام الطلّاب للتواصل مع هذه الشركات.