أنطوان سعد
مما لا شك فيه أن فريق الموالاة في لبنان ومن وراءه، إقليمياً ودولياً، قد حقق أول من أمس، بإقرار المحكمة ذات الطابع الدولي في مجلس الأمن تحت الفصل السابع، نقاطاً مهمة على المعارضة ومن يقف وراءها إقليمياً ودولياً. وتترصد الأوساط المراقبة الخطوة التالية التي ستتخذها الموالاة في مرحلة ما بعد إقرار المحكمة، وبخاصة النهج الذي ستتبعه: فهل ستبادر إلى إجراء تعديل في أسلوب المواجهة مع المعارضة وتبدي استعداداً للتفاهم معها حول النقاط العالقة مع ما يعنيه ذلك من اتجاه للتوصل إلى حل وسط في موضوعيْ تشكيل حكومة الاتحاد الوطني وانتخاب رئيس توافقي للجمهورية؟ أم ستمضي في سياسة المواجهة القاسية من دون إبداء أي استعداد للمساومة حول المسائل التي تعتبرها جوهرية؟
ليس من الواضح بعد أي من النهجين سيسود. فعلى رغم الدعوات والمواقف المعتدلة الصادرة عن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الدين الحريري عقب إقرار المحكمة، لم ترشح أي إشارة عن القصر الحكومي أو عن قريطم تفيد تغييراً أو تبدلاً فعلياً في المنحى ستأخذه الأكثرية النيابية في المرحلة المقبلة، وهو ما تبدى جلياً في بيان قوى 14 آذار ليل أمس.
فقد قوبلت دعوة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود إلى تشكيل حكومة إنقاذ بعدم إيجابية لافت، إذ أُدرجت في خانة «الالتفاف على المحكمة ذات الطابع الدولي»، إلى ما سوى ذلك من أدبيات الهجاء السياسي السائد في البلاد في هذه الأيام، علماً بأن الاقتراح الرئاسي لم يحمل عرضاً ملموساً ومحدد المعالم لكي يُقبل أو يُرفض، وإنما هو كناية عن دعوة للتفكير في إمكانية تشكيل حكومة مصغرة تضم أقطاباً شبيهة بالحكومة الرباعية التي شكلها الرئيس رشيد كرامي في تشرين الأول 1958 بعد «الثورة المضادة» التي أعقبت الأزمة الخطيرة، صيف ذلك العام.
لقد سبق أن طرحت ورقة الثوابت المارونية فكرة إنشاء حكومة حيادية تخرج البلاد من الأزمة الحكومية التي تعانيها، وبخاصة من أزمة الحصص والثلث المعطل، لا بل إن فكرة تشكيل مثل هذه الحكومة طرحها البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير على اللاعبين السياسيين بعد خروج الجيش السوري من لبنان في نيسان سنة 2005. وقد رشّح سيد بكركي في حينه السفير أحمد الحاج لرئاستها مقترحاً أن يكون وزراؤها من السياسيين المعتدلين من أمثال الوزير السابق فؤاد بطرس. وكان في اعتقاد البطريرك صفير آنذاك أنه لا يمكن أن تستقيم الحياة السياسية في لبنان بعد خروج الدور السوري من دون المرور بمرحلة انتقالية، إن لم تكن تأسيسية، تعيد بناء البلد على قواعد ثابتة، وتوفّر مشاركة جميع المكوّنات اللبنانية في المؤسسات الدستورية والإدارات العامة انطلاقاً من قانون انتخابات عادل. غير أن القوى السياسية الفاعلة في حينه أقامت التحالف الرباعي الذي نتجت منه الحكومة الحالية، وكان ما كان من شأن الأزمات القائمة التي حذّر منها مجلس المطارنة الموارنة في البيان الشهير «وقد أعذر من أنذر».
وقد تطرق الحديث بين البطريرك صفير والرئيس لحود، عندما زار سيد بكركي القصر الجمهوري قبل أسبوعين، إلى موضوع الحكومة الرباعية سنة 1958 التي يُشيد جميع من عايشوها بأهمية الدور الذي أدّته في إعادة الأمور إلى طبيعتها في لبنان بعد الزلزال الذي عرفه.
وانطلاقاً من هذا الكلام، وفي ظل التعب الذي يفترض أن يكون قد حلّ بالمعتصمين في وسط بيروت، وبعد التعقيدات المستجدة على الوضع المتمثلة بأحداث مخيم البارد، وبعدما بات أمر إقرار المحكمة في باب تحصيل الحاصل، طرح رئيس الجمهورية فكرة حكومة مصغرة للإنقاذ يوم الثلاثاء الماضي على البطريرك الماروني، ومن خلاله على الرأي العام والقوى السياسية كافة، باعتباره «قيمة وطنية معنوية تتمتع باحترام الجميع»، لكن الموالاة لا تبدو مستعجلة للبحث في الوضع الحكومي، في الظرف الراهن على الأقل.
غير أن شخصيات سياسية حيادية كشفت لـ«الأخبار» عن تلقّيها وعوداً أميركية، قبل نحو ثلاثة أشهر، بأن السياسة حيال المعارضة وحيال سوريا ستتبدل بعد إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، سواء تم ذلك في المؤسسات الدستورية اللبنانية أو في مجلس الأمن. ولا بد من التوصل إلى تفاهم معين مع دمشق شبيه إلى حد ما بالتفاهم بين الولايات المتحدة وليبيا حول قضية لوكربي. إذ إن واشنطن تدرك تمام الإدراك أن سياسة التحدي المستمر لا تملك الأطراف اللبنانية، وبخاصة الموالاة، القدرة على الاستمرار بها إلى ما لا نهاية.