عرفات حجازي
تنهمك الأوساط السياسية بتتبُّع نتائج قمة الرياض وما تمخض عنها من نتائج عملية في ما خص الأزمة اللبنانية، ورصد ما رشح عن اللقاءات الجانبية بين القادة العرب والخلوات الثنائية والثلاثية بعيداً من الأضواء.
حتى الآن، المعلومات شحيحة عن فحوى ما دار في الاجتماعات المغلقة، خصوصاً بين الجانبين السعودي والسوري لجهة تسهيل إنشاء المحكمة الدولية وتعاطي دمشق مع الوضع اللبناني. لكن التقديرات أن ثمة جديداً سيحصل، وأن أفكاراً نوقشت ينتظر أن تتبلور مع عودة الحياة إلى حوارات عين التينة بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري الذي توقع استئنافها قريباً جداً.
لكن ما استرعى الانتباه هو رفع وتيرة السجالات بين المعارضة والموالاة على خلفية إرسال مشروع المحكمة إلى البرلمان والمواقف التي أعلنها الحريري في غداء «الندوة الاقتصادية» السبت الماضي وقوله إن إعطاء المعارضة الثلث الضامن انتحار سياسي وتكملة لمشروع قتلة الحريري، وتلميحه إلى إمكان عقد جلسة لمجلس النواب خارج ساحة النجمة في استفزاز واضح وتعدٍّ صريح على صلاحيات رئيس المجلس، وهو ما وجدته المعارضة دفعاً للبلاد إلى مواجهة قاسية ستعمق الانقسام وتدفع نحو حرب
أهلية جديدة.
وتساءلت أوساط دبلوماسية عن أبعاد هذا التوجه لدى فريق الموالاة غداة اختتام مؤتمر القمة ووجدت فيه رمية مسددة إلى المسعى السعودي الذي يدفع باتجاه معاودة حوارات عين التينة برعاية مباشرة من الرياض. وأعربت هذه الأوساط عن خشيتها من محاولات نقل ملف المحكمة الدولية إلى مجلس الأمن بدل انتظار إقراره رسمياً في المؤسسات الدستورية، وهو ما أكد عليه الأمين العام للأمم المتحدة في لقاءاته مع أطراف النزاع. ولفتت هذه الأوساط إلى أن محاولة إرسال مشروع المحكمة إلى المجلس النيابي كان بهدف إثارة الغبار أمام بان كي مون وممارسة نوع من الضغوط عليه لحمله على رفع القضية إلى مجلس الأمن لإقرارها كما هي بحجة أن المجلس النيابي مخطوف ومعطل. ويفهم مما تقدم أن الأكثرية ستستمر في تحركها للحصول على إقرار المحكمة وأن كل الخيارات مفتوحة أمامها، بما فيها تجاوز التعقيدات الدستورية التي نص قرار مجلس الأمن على ضرورة مراعاتها في إقرار نظام المحكمة ذات الطابع الدولي.
وتحذر مراجع في المعارضة من السيناريوات التي يُحَضَّر لها والتي تستهدف إسقاط آخر مؤسسة دستورية، لكي تصل إلى استحقاق انتخابات الرئاسة الأولى بحكومة فاقدة لشرعيتها ودستوريتها ومجلس نيابي مفكك وعاجز عن انتخاب رئيس جديد، ما يدخل البلد في فراغ خطير. وتلفت هذه المراجع إلى أنه إبان الحرب الأهلية في لبنان التي استمرت زهاء 15 عاماً وفي ظل الانقسام السياسي والحكومي، ورغم الإعصار الدموي، ظلت إرادة اللبنانيين على مختلف اتجاهاتهم مصممة على الخروج من جحيم الحرب، وتمكنت من ذلك، لأن المجلس النيابي بقي متماسكاً وموحداً، ما أتاح صياغة المخرج من الأزمة من خلال نواب الأمة الذين التقوا في الطائف وتحقق الوفاق. من هنا فإن المساس بوحدة المجلس وتقسيمه الذي بدأت تباشيره في الاعتصامات والاستعراضات في مبنى المجلس سيعني إسقاط المحرمات وفتح الأبواب أمام كل الأخطار.
والسؤال المطروح: هل يمكن الوصول إلى هذا المحظور؟
الانطباع لدى المراقبين الذين واكبوا أعمال القمة أن الأمور ليست متروكة لمزيد من العبث بالدستور والمغامرات غير المحسوبة، وأن المعالجات للأزمة اللبنانية بشقيها السياسي والدستوري ستكون في صلب الاتصالات السعودية - السورية التي ستستكمل قريباً بناء على اتفاق جرى بين الملك عبد الله والرئيس بشار الأسد.
ويعتقد كثيرون أن مفاعيل القمة ونتائجها لن تتأخر بالظهور، والسعودية ستكون معنية بمتابعة وتنفيذ التفاهمات والقرارات التي اتخذتها قمة الرياض، وهناك ثقة مطلقة بخادم الحرمين الشريفين لإدارة الحالة العربية والعمل على حل أزماتها، ما يعني أن التحرك السعودي على صعيد الوضع اللبناني سيبدأ مع عودة السفير السعودي إلى بيروت، حاملاً توجهات الملك عبد الله، يحث الأفرقاء على معاودة الحوارات من خلال القطبين الممثلين للموالاة والمعارضة ورعاية هذا الحوار من منطلق الاحتفاظ بالمسافة الواحدة بين الجميع، لكن مع فرض ثوابت جازمة لا تتسامح المملكة في تخطيها تحت أي اعتبار وفي طليعتها منع أي فتنة مذهبية وعدم السماح بانهيار المؤسسات الشرعية، ولا سيما المجلس النيابي، وعدم الاسترسال في خرق الدستور، مع الإصرار على مصالحة لبنانية ــ لبنانية تنقذ لبنان من التدخلات الخارجية وتعيد الحياة إلى مفاصل هذا البلد الذي فرقته النزاعات على مدى سنوات طويلة.