صيدا- خالد الغربي
أسياخ حديدية شبيهة بتلك المعدة لشواء اللحم، يغرزها «آدميون» طوعاً في مختلف أنحاء أجسادهم تصوفاً؛ هذا ليس بمشهد هوليوودي، بل إنها مشاهد واقعية أثارت دهشة كل من رأى أفراداً في صيدا، يقومون بغرز الأسياخ الحديدية في الوجنات والوجوه وغيرها، خلال مشاركتهم في المسيرة الاحتفائية بالمولد النبوي الشريف، التي جابت المدينة؛ ما دفع الى التساؤل عما إذا كان ما يجري هو «مراسم عاشوراء لدى السنة» أو «رتبة صلب المسيح السني»، وما هي الأسباب التي حدت بهؤلاء المتصوفين الى تعذيب النفس البشرية؟
فقد لفتت ما قدمته ثلة من أهل التصوف من «أبناء الزاوية الرفاعية»، من أعمال يصفها مريدوها بـ«الطاعة»؛ وهي أعمال متوارثة منذ القدم. وإذ بدا مشهد قرع الطبول والصنوج ولعبة السيف والترس أمراً عادياً، فإن مشهد قيام المتصوف بإدخال «الشيش» الحديدي من داخل فمه ليخرجه من طرفي الوجه، أمر مثير، وعلى وقع المدائح النبوية وحب الرسول تسارع ترداد كلمات ( الله الله الله..)، وتسارع إيقاع الغرز وحماسة المتصوفين الذين يطلبون من «شيخهم»؛ الذي يفتتح الغرز شكهم بقوة وعندما تسأل أحدهم عن عمله يجيبك وهو معتد بنفسه لا يوجد أي ألم، إنه الإيمان والتقوى التي تحول دون الوجع، ويرفع آخر قميصه وعباءته طالباً غرز السيخ بقطره الأوسع في خاصرته ليخرج السيخ من طرفها الآخرعلى وقع الله اكبر. أحد المتصوفين قال إنهم ينتمون الى الزاوية الرفاعية (نسبة الى سيدنا أحمد الرفاعي من الأولياء الصالحين)، وإن ضرب الشيش يعدّ لتثبيت «المريد»؛ و«هي عادات وتقاليد لخدمة الله تعالى وإن كنا نفضل إقامتها داخل الزاوية وليس في الشارع، والأمر ليس سياسياً، بل إحياء تراثي». مشيراً الى «أن الضرب سابقاً كان من البطن ليخرج الشيش من الظهر، معتبراً أنها امتحان للنفس، وأن الرفاعي قام بعمله هذا لإقناع المشركين بدخول الإسلام؛ وعندما مارس أعمالاً كهذه أمامهم أسلموا». لكنه يستطرد بالقول «إن البعض ممن يأتون الينا في الزاوية يكون هدفهم ليس الإيمان أو الصلاة بل يحبون استعراض بطولاتهم وقوتهم، وأنهم لا يهابون الوجع والألم».
المؤرخ اللبناني والأستاذ الجامعي الدكتور طلال المجذوب أشار الى «أن الطرق الصوفية موجودة منذ زمن بعيد وأكثرها في مدينة طرابلس، وهي تمارس لتأكيد أن الإنسان الذي تتوافر فيه الإرادة والإيمان باستطاعته فعل كل شيء والتفوق على ألم الجسد الذي هو بمثابة وعاء». مشيراً الى «أن المتصوف لا يشعر بالألم».