strong>رشا حطيط
أطفال رضّع مرميون في الشوارع بين بيروت وطرابلس والجبل. ننضمّ إلى القوى الأمنية والفعاليات في رحلة البحث عن أهلهم وعن سبب تخليهم عن أولادهم. ويدهمنا سيل من الأسئلة والتساؤلات. وإلى حين عثورنا على الأجوبة نستعرض كيفية تعامل دور العناية مع الأطفال «المتروكين» وما ينصّ عليه القانون لجهة عدم تصنيفهم «لقطاء»

عُثر خلال الأشهر الأربعة الماضية على ستة أطفال رضّع (خمسة أحياء والسادس ميت) متروكين في الشارع أو على باب دار للعبادة أو في مستشفى. وتكفّلت مؤسسات دينية إسلامية ومسيحية بالأطفال «المتروكين» لحين العثور على أهلهم. لكن الضابطة العدلية نادراً ما تتمكّن من التعرّف إلى الأهل. وإلى حين تحقيق ذلك، قد يُسلَّم الأطفال إلى عائلات للتبنّي أو التكفّل. كيف تتعامل المؤسسات الدينية مع «المتروكين»؟ «الأخبار» تدرس حالتين في بيروت وطرابلس.
دير اللعازارية يحدد شروط التبني
في 09/03/2007 جاءنا بيان صادر عن قوى الأمن يفيد بأنه عثر أمام «ملجأ الأطفال المهملين واللقطاء» في محلة الأشرفية ــــــ اللعازارية على طفل رضيع أنثى تبلغ من العمر أربعة أيام، سمراء البشرة، وقد أودعت دير اللعازارية بناءً على إشارة النائب العام الاستئنافي القاضي جوزف معماري بصورة مؤقتة «لحين العثور على ذويها». وروت الراهبة جوزيف المسؤولة عن قسم الحضانة في الدير، لـ«الأخبار» تفاصيل هذه الحادثة: دق جرس الدير بعد ظهر يوم الجمعة الواقع فيه 09/03/2007. فتحت الراهبة الباب لتجد طفلة لم تتجاوز أيامها الأولى ملفوفة بغطاء صوفي أبيض، في وقت يعج فيه الشارع المقابل بحركة سير مزدحمة تواكب خروج التلامذة من المدارس. دخلت الراهبة وبيدها الرضيعة متعجبة، حيث إنها المرة الأولى التي يودع طفل على باب الدير في وضح النهار، لكن لا تسأل عن الفاعل: «عملي ليس ملاحقة الفاعل، أنا أشكر الرب على أن هذه الطفلة تركت على باب الدير عوضاً عن رميها أو قتلها!». اتصلت الراهبة بالشرطة لتعلمهم بوجود الطفلة، فحضر عناصر من قوى الأمن لكتابة المحضر. وعند سؤالها عن عدد الأطفال الذين يتركون على باب الدير أجابت بأن هذه الطفلة هي الحالة الأولى منذ 3 سنوات، لكن خلال الحرب اللبنانية كان عدد الأطفال الذين يتركون على باب الدير لا يتجاوز الحالة الواحدة كلّ شهر أو شهرين. وعن الإجراءات المتخذة، أفادت الراهبة بأنه بعد النظر لاحتياجات الطفل الأولية، يعمل على تقديم طلب للحصول على هوية. لكن هذه المعاملة تتطلب من 4 إلى 5 أشهر، والدير لا يستطيع تحمل نفقة رعاية الطفل طوال هذه المدة، لذا يوضع لدى عائلة كانت قد تقدمت بطلب تبنٍّ، وعند صدور الهوية، يعمل بحكم التبني ليصبح الطفل الولد والوريث الشرعي للعائلة المتبنية. كما أكدت أن عدد العائلات التي تقدمت بطلب تبنٍّ تجاوزت الأربعين، وأن هذه الطفلة «السمراء البشرة» رفضت أول عائلتين تبنيها، لكن العائلة ثالثة «قبلت» بها.
وبالإجابة عن كيفية التبني و«كلفته»، أكدت الراهبة أن «كلفة تبني طفل» تقتصر على تعويض على مصاريف الطوابع والمعاملات (محضر الدرك ــــــ حكم التبني ــــــ المحكمة الدينية ــــــ الأحوال الشخصية ــــــ العدلية ــــــ والمواصلات) وإذا كان الطفل يعاني مرضاً أو يحتاج إلى حاضنة اصطناعية، وبما أن الدولة لا تعترف بالأطفال قبل صدور الهوية ولا تعوض عليهم بعدها، يقوم «الأهل الجدد» بتغطية تكاليف الطبابة. هكذا «تتراوح كلفة تبني طفل بين 400 و2000$ أميركي» بحسب الراهبة جوزيف. أما المستندات التي يجب على العائلة المتبنية توفيرها للدير فهي: سجل عدلي ووثيقة زواج في الكنيسة وشهادة من كاهن رعية وإخراج قيد عائلي وشهادة طبيب (physique ــــــ mental ــــــ stérilité) وشهادة عمل وإفادة بالوضع المالي.
دار الأيتام الإسلامية: التكفّل أولوية
وبتاريخ 12/02/2007 جاءنا بيان آخر صادر عن قوى الأمن يفيد بأنه في الساعة 12,00 من يوم الاثنين الواقع فيه 12/2/2007 عثر في الحديقة العامة مقابل سنترال الميناء في طرابلس على طفل رضيع ذكر، يبلغ من العمر حوالى 4 أيام، لف بغطاء صوفي أزرق اللون، وضعه الصحي جيد، أودع دار الأيتام الإسلامية في بيروت، بناء على إشارة النائب العام الاستئنافي في الشمال القاضي عماد الزين، بصورة مؤقتة «لحين العثور على ذويه».
وفي مقابلة مع «الأخبار» مع نائب المدير العام للشؤون الرعائية في دار الأيتام الإسلامية وفاء البابا، تبين أن الطفل ما زال برعاية دار الأيتام الإسلامية التي تستقبل سنوياً، حسب البابا، ما يعادل 10 أو 15 طفلاً. وأضافت البابا: إن دار الأيتام الإسلامية تستقبل الأطفال المتروكين من جميع الطوائف والجنسيات بناء على إشارة النائب العام بعد كتابة المحضر. وإذا أودع الطفل على باب الجمعية يقام بتبليغ الشرطة لكتابة المحضر. لكن هذه الحالات أصبحت نادرة جداً نظراً إلى زحمة السير التي تحيط بالدار المقام في منطقة سكنية.
أما بالنسبة إلى الإجراءات التي تتبعها دار الأيتام الإسلامية عند تسلمها الطفل، فأجابت البابا بأنه يقام أولاً برعاية الطفل وبعد إقفال التحقيق والإقرار بعدم العثور على أهله، الذي يتطلب أيام، تعمل الدار على إصدار وثيقة ولادة وهوية للطفل. وأكدت أن الدار تعتمد على التبرعات والتكفل، لتأمين رعاية الأطفال في نطاق المؤسسة. كما تعتبر المؤسسة التكفل من أولوياتها لانعكاسها الإيجابي على الأطفال الذين لا عائلة لهم. وفي حال تبيان رغبة الأهل بالتكفل بطفل داخل نطاق العائلة فيجدر على الطفل أن يكون قد تخطى الرابعة من عمره. وتعمل المؤسسة على النظر بوضع الطفل في العائلة التي تتكفل به من خلال زيارة وتقرير المرشدة الاجتماعية. وبالأسباب، أشارت البابا إلى تزايد في أعداد الأطفال الذين لا عائلة لهم مع ارتفاع في نسبة الأبناء الذين يعانون أوضاعاً صحيّة أو نفسيّة تستدعي متابعة طبية. وأعادت البابا مشكلة تخلي الأهل عن الأطفال (حتى في حال معرفة هوية الأهل) إلى «التفكك الأسري وارتفاع نسبة الطلاق في لبنان التي غالباً ما يقع ضحيتها الطفل».
القانون اللبناني يمنع «التصنيف»
الغيت عبارة «لقيط» عن الهوية أو إخراج القيد بموجب القانون رقم 541 الصادر بتاريخ 24/07/1996 الذي يمنع إيراد عبارة «طفل غير شرعي» أو أي عبارة مماثلة على بطاقة الهوية لعدم التمييز: «لا يجوز لدوائر النفوس والأحوال الشخصية التي تنظم تذاكر الهوية وإخراجات قيد النفوس أن تذكر في هذه التذاكر أو الإخراجات أية عبارة تدل على أن من تعود له الهوية أو إخراج القيد هو مولود غير شرعي أو أنه غير معروف الأم والأب». لكن في حديث مع «الأخبار» قال مختار الأشرفية نقولا صباغة، إن عبارة «طفل غير شرعي» ما زالت ترد في بعض الأحيان على إخراج القيد. وعند سؤاله عن السبب أجاب بأن هذا الأمر يعود إلى مأمور النفوس. كما تبقى هذه العبارة واردة على إخراج القيد العائلي، ما عدا بحال التبني حيث يلحق الطفل بقيد العائلة المتبنية. وبغياب الأدلة عن انتماء الطفل الديني، يعود اختيار هوية الطفل الطائفية إلى المؤسسة التي ترعاه. والجدير بالذكر أن العدد المرتفع من حوادث تخلي الأهل عن أطفالهم يحصل رغم تضمن قانون العقوبات اللبناني أربع مواد تعمل على حماية حقوق الطفل من هذا النوع من الاستهتار. إذ ينصّ القانون على معاقبة من أودع ولداً مأوى وكتم هويته ومن تخلى أو حاول التخلي لفترة مؤقتة أو دائمة عن قاصر ومن حمل أو حاول أن يحمل والدي قاصر أو أحدهما، أو كل من له سلطة ولاية أو وصاية للتخلي عن القاصر ومن الأهل الذين يتركون الولد متشرداً وإنزال بهم عقوبة تتراوح بين الحبس لمدة ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات أو الأشغال الشاقة بالإضافة إلى غرامات مالية.