بسام القنطار
شكّل مؤتمر حزب البيئة اللبناني حول التلوث النفطي حلقة حوار تشاركية راجعت مختلف الإشكاليات التي رافقت عملية معالجة «الكارثة الأكبر» التي أصابت بحر لبنان بـ«تلوث أبدي» لا يمكن تبيان أثره إلا بعد مرور عدة سنوات. وقد خرج المؤتمر بالعديد من التوصيات، أبرزها: المطالبة بإعادة إحياء لجنة طوارئ مكافحة تلوث البحر وتشريعها

عقد حزب البيئة اللبناني، بالتعاون مع مؤسسة فريديرش ايبرت، أول من أمس، مؤتمر مساءلة حول كارثة التلوث النفطي على الشاطئ اللبناني في فندق الكومودور في بيروت، حضره ما يزيد على 120 مشاركاً، بينهم ممثلون عن مختلف القطاعات المعنية. ومن اللافت أنه رغم توجيه الدعوات الخطية لمختلف الهيئات الدولية والوكالات التي عملت على ملف التلوث النفطي فإن الوكالة السويسرية للتنمية هي الجهة الوحيدة التي لبت الدعوة. ورغم الملاحظات الكبيرة على نتائج أعمال شركة «سيكور للخدمات البيئية» الأميركيّة في منطقة الشمال والتي لزّمت من قبل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أعمال التنظيف بعقد بلغت قيمته 5 ملايين دولار (راجع «الأخبار» عددي الجمعة ٢ آذار 2007 والأربعاء ١٨ تشرين الأول 2006) فإن الوكالة المذكورة لم تكلف نفسها عناء المشاركة في المؤتمر الذي وجّهه المشاركون فيه نقداً لاذعاً للأداء الأميركي خلال حرب تموز، مطالبين في ختام أعماله بـ«متابعة ملف مقاضاة إسرائيل وكل من شارك في تغطية العدوان وتأخير رفع الحصار في المحافل الدولية وإلزامهم بالتعويض».
أمين عام الحزب حبيب معلوف أكد في مداخلته أن هذه «الكارثة كشفت مدى هزالة الإدارات الرسمية المعنية وتقصيرها، ولا سيما تلك المخولة قانوناً بمتابعتها ومعالجتها. كما كشفت عن مدى عدم جهوزيتنا لإدارة هكذا كوارث». وتساءل معلوف عن مصير «دراسة آثار تلوث الهواء الناجم عن العدوان، على الصحة العامة؟ وما هي نتائج أخذ عيّنات من الفيول الذي تسرّب إلى البحر، وما هي محتوياته وتأثيراته القريبة والبعيدة المدى على كل أشكال الحياة البحرية والإنسانية». وأضاف: «هبات تأتي، عقود توقّع، ولا تقرير شاملاً حتى الآن حول سير الأعمال. هناك تلزيمات ولا دفاتر شروط. هناك تنظيفات ولا خطة لكيفية معالجة المواد المنظفة في ما بعد. هناك تلزيمات لدراسات لمصادر ومراجع متعددة من دون تنسيق في ما بينها. بعض الدراسات أصبحت مكررة ولم يتم الاستفادة منها، بالرغم من كلفتها العالية».
ممثل مؤسسة فريديرش ايبرت سمير فرح قال: «نحن ندرك أن كارثة التلوث النفطي ستكون لها ارتدادات سلبية على البيئة البحرية على مدى طويل. من هنا لنا الحق بأن نسأل مع شركائنا في هذا المؤتمر: أين أصبحت المعالجات وما هي العبر والخطط للمستقبل؟
وجهة نظر قيادة الجيش اللبناني حول الموضوع عرضها المقدم الركن البحري حسن همدر، الذي عرض للمراحل التي نفذها الجيش في عملية التنظيف ونتائج المعالجة والحلول المقترحة الفورية والمنظورة والبعيدة الأمد. وخلص همدر إلى التأكيد على «ضرورة أن يرفع لبنان من مستوى جهوزيته للمحافظة على البيئة البحرية»، مؤكداً على «تفعيل وإطلاق هيئة وخطة طوارئ وطنية».
من جهته، عرض مدير عام وزارة البيئة بيرج هتجيان للدور الذي قامت به الوزارة، مشدداً على أن معالجة التلوث النفطي ليست من مسؤولياتها المباشرة. وأضاف «كان يمكن لوزارة البيئة أن لا تعمل أي شيء، لكننا تدخّلنا منذ اللحظة الأولى وساهمنا في عملية إطفاء الحريق المشتعل وفي تنسيق عمليات التنظيف»، مشدداً على شفافية الوزارة لجهة استلام وصرف كافة الهبات وملمحاً الى الخلل الذي حصل نتيجة عدم ورود كافة المساعدات والهبات عبر الوزارة، الأمر الذي أثار العديد من الأسئلة. وأكد هتجيان أن المرحلة الثانية من عملية المعالجة ستبدأ في 15 الجاري بعد أن تتم معاينة كافة النقاط التي ضربها التلوث والخروج بتصور جديد نتيجة التيارات البحرية الشتوية وما نتج عنها من تغيرات سلبية أو إيجابية على الشاطئ اللبناني. تجدر الإشارة إلى أن هتجيان قد شارك في كافة جلسات المؤتمر وتولى الرد على الملاحظات التي وجهت إلى دور وزارة البيئة، إلا أن الكثير من ردوده لم تقنع المشاركين وخصوصاً لجهة إدارة الملف وعدم تفعيل «لجنة الطوارئ».
كما تضمن المؤتمر عرضاً لأنشطة المؤسسات الرسمية المختصة والوكالات الدولية والجمعيات الأهلية في عملية المعالجة ومنها: «الخط الأخضر»، «بحر لبنان»، معهد علوم البحار، وكالة التنمية السويسرية، إضافة إلى الدكتور في الجامعة الأميركية إيلي بربور.
ولقد حاز موضوع إيجاد الحلول لمستوعبات نفايات الفيول التي جمعت من الشاطئ أو سحبت من البحر والموجودة بالقرب من منشآت النفط في البدّاوي والبالغ عددها 32 مستوعباً جدلاً لجهة طريقة التخلص منها، وخصوصاً أن تعهّد وزارة البيئة بشحنها وإعادة تكريرها خارج لبنان لا يبدو واقعياً في المدى المنظور.
وفي ختام المؤتمر صدرت مجموعة من التوصيات، أهمها: فتح تحقيق والمحاسبة على الفترة السابقة، وتحديد المسؤوليات حول كافة الحيثيات البيئية والقانونية والإدارية والمالية ولا سيما أسباب غياب أو تغييب لجنة وخطط الطوارئ لمكافحة تلوث البحر. إصدار مرسوم يقضي بإنشاء مكتب أو لجنة طوارئ لإدارة التلوث البحري وتنفيذ الخطط الموضوعية، العمل على مناقشة وإقرار مشروع القانون المتعلق بمكافحة حوادث تلوث البحر.
متابعة ملف مقاضاة إسرائيل وكل من شارك في تغطية العدوان وتأخير رفع الحصار في المحافل الدولية وإلزامهم بالتعويض. تشكيل لجنة وطنية تكون ممثلة للإدارات الرسمية المعنية كافة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنية المعنية والمهتمة، والقطاع الخاص والمنظمات الدولية، والدول الصديقة المتهمة، تكون مهمتها: متابعة مقررات المؤتمر. التنسيق بين الأطراف المعنية كافة. الإشراف على متابعة عمليات التنظيف. الاطلاع على العقود الموقّعة ومراجعتها ومراجعة حسن الالتزام والتنفيذ. الطلب إلى الجهات العلمية الدولية وغير الحكومية والرسمية المعنية، ولا سيما مركز علوم البحار، متابعة أخذ العيّنات من كافة الكائنات البحرية ولفترات طويلة، لرصد مدى تأثير الفيول على هذه الكائنات. إصدار البيانات الدورية الشفافة حول النتائج. إصدار تقارير مفصلة حول سير الأعمال وحجم الهبات وكيفية صرفها. المساعدة في تشريع هيئة الطوارئ. الضغط لإقرار القانون في مجلس النواب. متابعة تنفيذ الاتفاقات الدولية ذات الصلة. القيام بمسح جديد للمنشآت النفطية كافة على الشاطئ اللبناني ومسح لكل مصادر التلوث. تطوير الخطط القديمة للحماية والمكافحة وإيجاد شبكات الأمن والمتابعة. والبحث في إمكان إعادة النظر بمواقع المستودعات النفطية على طول الشاطئ اللبناني.