صيدا ـــ خالد الغربي
تقف الطفلة الفلسطينية فاطمة ورد، ابنة العشر سنوات، التي خسرت والدها، منتعلة حذاءها المكشوف أو ما يعرف بالعامية بـ«شحاطة البلاستيك»؛ ومياه المطر تتسلل الى قدميها في ثاني يوم من مطر نيسان الذي لم يرو ظمأ عوائل شهداء وجرحى «الثورة الفلسطينية»؛ فاعتصموا أمس أمام مكتب الشؤون الاجتماعية التابع لمنظمة التحرير في مخيم عين الحلوة احتجاجاً على عدم صرف المخصصات المالية لعوائل الشهداء منذ سبعة شهور، واقتصار الأمر على صرف مخصص عن شهر واحد رفض العديد منهم تسلمه.
فالثورة الفلسطينية التي سقط لها في لبنان آلاف الشهداء منذ تاريخ صراعها مع العدو وفي الحروب الجانبية على «طريق تحرير فلسطين»، مخلفين وراءهم أبناء وأمهات وزوجات لم يقبضوا «مرتباتهم» منذ سبعة شهور، الأمر الذي حدا ببعضهم الى رفع الصوت، فتجمعوا بالعشرات، نساء وأطفالاً، حاملين صور أبنائهم وأزواجهم ورافعين لافتات منددة وتسأل «هل تتحول عائلات الشهداء والجرحى والمعوقين الى متسولين لتأمين لقمة العيش؟».
في الاعتصام تسمع كلمات منتقدة لمنظمة التحرير مثل «يلعن ابو كل واحد بيلتحق بالثورة»، و«هني بيتنعموا بالمصاري ونحنا...» على حد قول والدة أربعة شهداء: أمين وسعيد وأنيس وميس عارف أمين خضر؛ فيما مريم ورد تترحم بكل جوارحها على «الرجل الرجل» (أبو عمار) الذي ردد وهو ينزل من الطائرة التي أقلته في رحلة علاجه الأخيرة الى فرنسا «عاش لاجئو الشتات، واحموا الشعب اللاجئ في الشتات؛ فأين أنت يا أبا عمار ولماذا لا تفعل كذلك يا أبو مازن؟». أما أم سعيد يوسف كعبوش فتقول: «عندي سبعة أنفار وشو بيعملوا 140ألف وشو بدن امرأة الشهيد تجلس على باب الكنيسة وتتسول؟ يروحوا يتعلموا من الحزب (الله) كيف بيحترموا نسوان الشهداء وما بيخلوهم يحتاجوا لأي شيء».
وينتفض فلسطيني غاضباً ويقطع الطريق بسيارته الهالكة مانعاً وبالقوة حركة المرور «المسؤولين مش أحسن من هؤلاء المعترين»؛ فيتعرقل السير وتصدح أبواق السيارات قبل أن يقتنع بفتح الطريق فيما تشير امرأة إلى الطبقية التي يمارسها المسؤولون «نحن نخلع أولادنا من المدارس ليتعلموا صنعة تقينا العوز بينما هم يرسلون أولادهم الى الخارج ليتعلموا، أهكذا يكافأ الشهداء ويكون الوفاء لهم؟».
ويتفاوت «بدل الشهيد» بحسب الرتبة وأفراد عائلته وكيفية استشهاده. ويقدر البدل بين أربعين ألفاً الى مئة ألف ليرة (في أحسن الأحوال) شهرياً.
وألقت نهاد سعيد مذكرة باسم المعتصمين موجهة الى الرئيس الفلسطيني أبو مازن «طالبت فيها بمساواة أسر الشهداء والجرحى والمعوقين بمتفرغي مؤسسات ودوائر منظمة التحرير؛ لجهة دفع المستحقات المتأخرة وكذلك مضاعفة المخصصات لتتناسب مع غلاء المعيشة والبطالة وشمول العائلات بالضمان الصحي والاجتماعي وكل تقديمات منظمة التحرير الفلسطينية».
ولدى سؤال مسؤول الشؤون «شريف» أجاب بصراحة وعفوية: ما يرسلونه لنا نوزعه. ولا يخفي تضامنه مع المعتصمين. وتبدي مصادر متابعة للشأن الفلسطيني تخوفاً من شطب المخصصات التي تعطى لعوائل الشهداء والجرحى إضافة الى المساعدات الأخرى ونهائياً؛ وذلك في إطار خطة إعادة هيكلة وتنظيم الملف الفلسطيني، وبحيث تعطى هذه الأسر «مقطوعية من المال». على أن يطوى ملف الشهداء وعدم الاستمرار في الدفع. فيما تبدي مصادر أخرى قلقها إزاء ما يحكى في زواريب المخيم عن السعي الى إنهاء خدمة العديد من المقاتلين والموظفين وفرض تقاعد إلزامي على الجيل الأول للثورة «الذي شاخ وليس باستطاعته الإنتاجية» والاعتماد «على العناصر الشابة بعد تصفية بعض الأوضاع العسكرية والميليشياوية الراهنة» تمهيداً «لبناء جيش التحرير الوطني الفلسطيني في لبنان الذي تسعى الى إنشائه منظمة التحرير، وفقاً للرؤية التي قدمتها في ورقتها التي سمّتها مشروع خطة عمل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان والهيكلية العامة المقترحة».