لبنان = محكمة دولية؟!
  • أوّاب المصري

    ما زال اللبنانيون يذكرون العدوان الصهيوني على لبنان في تموز من العام الفائت، الذي استمر 33 يوماً، ولم تتورّع خلاله إسرائيل عن استهداف المدنيين والبنى التحتية والفوقية. المساعي الدولية التي بُذلت حينها لوقف العدوان تمثّلت في اقتراح نشر قوات دولية في لبنان مشرّعة الصلاحيات، يندرج تحركها تحت الفصل السابع الذي يسلب الدولة اللبنانية أي سلطة أو رقابة عليها. رفض لبنان الطرح الدولي على رغم كل الضغوط التي مورست عليه، وفضّل استمرار العدوان على القبول بوقف لإطلاق النار استناداً إلى الفصل السابع. واضطر مجلس الأمن حينها ــ بسبب عجز إسرائيل عن الانتصار عسكرياً ــ للرضوخ للإرادة اللبنانية، وأُصدر القرار 1701 تحت الفصل السادس، وعمد مجلس الأمن إلى حذف كل ما يشير الى استخدام الفصل السابع. وعلى الرغم من الخسائر البشرية والمادية التي مُني بها لبنان جراء العدوان، إلا أنه على الأقل انتصر ديبلوماسياً. منذ ذلك التاريخ، واللبنانيون يدركون مخاطر القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التي تستند إلى الفصل السابع.
    تذكرتُ ما سبق حين علمت أن وفداً من قوى الأكثرية النيابية على رأسه النائب سعد الحريري قام بتسليم الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة مذكّرة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ممهورةً بتوقيع سبعين نائباً يدعونه فيها إلى «اتخاذ كل الإجراءات البديلة التي يلحظها ميثاق الأمم المتحدة والتي توفّر قيام المحكمة الدولية». وبما أن «الإجراءات البديلة» محصورة بإقرار محكمة دولية استناداً إلى الفصل السابع، فإن المذكرة تعني حكماً دعوة النواب الموقّعين إلى إقرار المحكمة في مجلس الأمن استناداً إلى الفصل السابع الذي يطيح الكيان اللبناني، وإلى أن تتحول المحكمة المختلطة ذات الطابع الدولي المطروحة الآن، إلى محكمة دولية خالصة، لا علاقة للدولة اللبنانية بتشكيلها أو نظامها الداخلي أو إجراءاتها. أن يسعى المرء للقضاء على خصومه وأعدائه، فهذا أمر منطقي وواجب، لكن أن يسعى المرء للقضاء على نفسه، ويطالب بامتهان كرامته واستباحة أرضه فهذا أمر يثير الدهشة، إذ إنّ فاعله قارب الجنون أو الخيانة العظمى. ولعلّ المجتمع الدولي يخفي دهشته وضحكات السخرية من الخطوة التي أقدمت عليها قوى الأكثرية. فقد جرت العادة أن يبذل المجتمع الدولي ضغوطاً وعقوبات حتى ترضخ الدول لقرارات الأمم المتحدة التي تندرج تحت الفصل السابع، لكن أن تسعى دولة وتطالب بهذا الإقرار، فإن أروقة الأمم المتحدة لم تشهد أمراً مثيلاً له. ذريعة قوى الأكثرية في المطالبة بإقرار المحكمة تحت الفصل السابع هي العرقلة التي تقوم بها قوى المعارضة لإقرار المشروع في المجلس النيابي، و«افتراض» أن قوى المعارضة تسعى إلى إفراغ المشروع من مضمونه. ولكن، هل يستحق إقرار محكمة «ربما» ــ أرجو وضع خط أحمر تحت ربما ــ تصل لمعرفة حقيقة من قتل الرئيس رفيق الحريري، وربما لا تصل، هل يستحق الأمر رهن لبنان، والتفريط بسيادته وانتهاك مؤسساته؟
    ترى أيّهما أغلى، لبنان وعراقة تاريخه، أم تشكيل محكمة دولية؟ ترى لو قيّض للرئيس الشهيد رفيق الحريري الكلام، فماذا سيكون موقفه حين يعلم أن ثمن معرفة قتلته ــ إذا تمّت ــ سيكون مقابله استقلال لبنان وكرامة أهله المهدورة على عتبة مجلس الأمن؟
    مع الإشارة إلى أن العرقلة التي يتحدث عنها نواب الأكثرية ستحصل عاجلاً أو آجلاً. فانتخابات رئاسة الجمهورية باتت قريبة، وعلى قوى الأغلبية لانتخاب رئيس جديد التوافق مع قوى المعارضة عليه، لأن انتخاب الرئيس يحتاج إلى أغلبية الثلثين (طبقاً للدستور)، الأمر الذي تفتقر إليه قوى الأغلبية. إضافة إلى أنه على فرض التوافق على انتخاب الرئيس، فإن الحكومة الحالية تستقيل حكماً ويبقى لزاماً تأليف حكومة جديدة للعهد الجديد.. ولكن.. عفواً نسيت أن في استطاعة قوى الأغلبية توجيه مذكرة إلى الأمم المتحدة تطالبها فيها باختيار رئيس لجمهوريتنا، وربما تقوم الأخيرة بتعيين جون بولتون رئيساً للبنان، نظراً إلى مساعيه الحميدة التي بذلها لمساعدتنا، ولعلاقته الوثيقة ببعض اللبنانيين؟!
    بات لزاماً على الكنيست الإسرائيلي إصدار برقية تهنئة لنواب الأمة اللبنانية على الخطوة التي أقدموا عليها، والتي قدموا من خلالها لإسرائيل مجاناً ما عجز عن تقديمه الجيش الصهيوني خلال عدوانه على لبنان.
    وبات لزاماً كذلك على من يدّعون الوقوف على الحياد، إعلان موقف واضح برفض مسعى قوى الأكثرية أعلاه، الذي يتعارض مع كل القيم الأخلاقية والشرعية والقومية والوطنية.