strong>حسن علّيق
«عريضة الأكثرية النيابية تأكيد صريح على عدم قدرة المؤسسات اللبنانية على السير ضمن الأطر الدستورية في ما يخص العلاقة بالأمم المتحدة». هذا ما يعلّق به الخبير القانوني زياد بارود، على الرسالة التي سلّمها أول من أمس، النائب سعد الحريري إلى الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان غير بيدرسون، تمهيداً لإرسالها إلى نيويورك. وتحمل هذه الرسالة توقيع 70 نائباً، طلبوا فيها من الأمين العام للأمم المتحدة «اتخاذ كل الإجراءات البديلة التي يلحظها ميثاق الأمم المتحدة والتي تؤمن قيام المحكمة الدولية». وبرأي بارود، «العلاقة مع الأمم المتحدة تقوم على أساس المؤسسات المولجة بهذه العلاقة: رئاسة الجمهورية للتفاوض، والحكومة للأمور الإجرائية، ومجلس النواب لإبرام المعاهدات». ويضيف أن عريضة الأكثرية «ليست ملزمة لأحد، لا الأمين العام للأمم المتحدة ولا مجلس الأمن. إنها خطوة ذات مفاعيل سياسية ولا تترتّب عليها نتائج قانونية».
من جهته، يصف أستاذ القانون الدولي في الجامعتين الأميركية واللبنانية شفيق المصري الرسالة بأنها «لا صفة قانونية لها بذاتها»، بل تهدف إلى ثلاثة أغراض هي: «أولاً: التأكيد للأمين العام أن إبرام معاهدة إنشاء المحكمة الدولية من حيث عدد الأصوات في مجلس النواب متوفر. ثانياً: شرح أسباب عدم إبرام المعاهدة بين لبنان والأمم المتحدة بأنها ليست أسباباً قانونية بل هي أسباب سياسية، طالما أن المعاهدة وقّعت في الحكومة وأن مبدئية المحكمة أقرّت بالإجماع في جلسات الحوار اللبناني. وثالثاً: الطلب المباشر من الأمم المتحدة للقيام بما تراه مناسباً من أجل إقرار نظام هذه المحكمة، بعيداً عن المعاهدة».
ويذكر المصري أن مراجعة الأمم المتحدة «تقتضي إرسال طلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة من الحكومة اللبنانية، وخاصة أن مجلس الأمن سبق له أن أقرّ مبدئية المحكمة الدولية، مستنداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (القرار 1644)، وبالتالي، لا يمكن لمجلس الأمن التراجع عن إنشاء المحكمة. فيمكن لمجلس الأمن، بعد استنفاد جميع وسائل المراجعة مع الحكومة اللبنانية، وبناءً على رسالة الحكومة اللبنانية أن يقرّ المحكمة وذلك بطريقتين: إما أن يقرّها ويبقيها مختلطة (قضاةً وقانوناً) بموجب قرار مستند إلى الفصل السابع، وذلك على غرار محكمة سيراليون، أو أن يصدر نظام محكمة دولية بقرار مستند إلى الفصل السابع أيضاً، من دون إشراك لبنان بها، ويطبق في هذه الحالة القانون الدولي فقط».
وعن إمكان إقرار قانون المحكمة استناداً إلى الفصل السابع، يوضح المصري أن قرارين سابقين صادرين عن مجلس الأمن، وهما 1373 (2001) و1566 (2004)، صنّفا العمل الإرهابي على أنه تهديد للسلم. «وبما أن المجلس نفسه اعتبر، بتاريخ 15 شباط 2005، جريمة اغتيال الرئيس الحريري عملية إرهابية، فإن هذه الجريمة تعتبر تهديداً للسلم، وهذه الحالة مذكورة في المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة، أي المادة الأولى في الفصل السابع. وذكر المصري أنه عندما يقرر مجلس الأمن إقرار نظام المحكمة استناداً الى الفصل السابع، فإنه يجعل المحكمة إلزامية لجميع الدول، وهذا لا يتضمن أي عقوبة على الإطلاق من أي نوع كانت، عسكرية أو غير عسكرية».
بدوره، يرى أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية حسن جوني رسالة الأكثرية النيابية بأنها «غير ذات صفة قانونية، وهي غير ملزمة لأحد». ويذكر جوني أن رسالة مماثلة أرسلت في بداية الحرب الأهلية من أحد الأطراف اللبنانية إلى الأمين العام للأمم المتحدة يطلب فيها تدخل مجلس الأمن الدولي في القضية اللبنانية، لكن لم ينتج عن تلك الرسالة أي تحرك. ويذكر جوني، «أنه يحق للأمين العام للأمم المتحدة، مع أو من دون وجود رسالة موجهة له، وبناءً على المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، أن يلفت نظر مجلس الأمن إلى وجود تهديد للسلم والأمن الدوليين. لكن مجلس الأمن لا يتحرك إلا بناءً على مصالح وتوافق الدول الخمس الكبرى فيه». ويضيف جوني أنه لا يجوز أن تتعاطى السلطة في لبنان مع الأمم المتحدة أو أمينها العام على أنه بديل عن المجلس الدستوري الذي تم تعطيله، فهو صاحب الصلاحية في تقرير دستورية أيّ قرار تتخذه إحدى السلطات اللبنانية وليس الأمم المتحدة.