strong>غسان سعود
32 سنة مرّت على انطلاق الحرب الأهلية الدموية التي راح ضحيتها وخطف خلالها الآلاف. وبينما يكثر الحديث اليوم عن تجدّد الصراعات الداخلية، يجدّد أهالي المفقودين مطالبتهم كشف «حقيقة» مصير أحبّائهم

في الصف الأول كان إسماعيل مرعي يبتسم. فيما بدت عيون زميله عبد الله بيضون تحدق في مكان بعيد. وبين هذا وذاك كان الحزن يطغى على وجه هاشم علي نصر الدين. أما عيون سامية المحمود وسميرة برجاوي فبحثت عبثاً عن فرح قليل يلوّن وجوه الأصدقاء. حضرت صور المفقودين في قاعة نقابة الصحافة وغاب الأهالي، عسى يثمر التغيير في شكل النشاط حراكاً في هذا الملف. لكن تشاؤم الأمهات القليلات اللواتي حضرن طغى على تمنّيات بعض الصحافيين وتكرار نقيب الصحافة محمد البعلبكي اللازمة نفسها من دور النقابة وصولاً إلى عدم تخلّي اللبنانيين عن الاهتمام بملف المفقودين.
وقالت رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين وداد حلواني إن الأهالي تحولوا خلال السنوات الماضية إلى ما يشبه علامات استفهام تطالب بحق المعرفة، بحق أنكره وينكره كثيرون بدعوى أن الماضي مضى. لكن سمة هذا العام باتت مغايرة تماماً. و«الذين دمروا وخطفوا وقتلوا وحازوا، لا براءات ذمة وحسب، بل امتيازات مدّعين الانتقال من منطق الحرب إلى منطق السلم، عادوا اليوم إلى الواجهة السياسية». وتابعت بحزن قائلة إن الذين «تسببوا بالأمس في مآسينا، وتنكّروا لحقوقنا حفظاً لكراماتهم، لا يجدون اليوم حرجاً في الانقضاض على المجتمع برمّته بحجة الدفاع عمّا يرونه حقاً»، مؤكدة أن حق المعرفة الذي ثابرن في طلبه، تجاوز اليوم ستائر الماضي، ومعرفة مصير المفقودين اليوم لا يعني معرفة ما فعله بعض السياسيين في الماضي بل ما قد يفعلونه غداً.
وهكذا تحول أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، بحسب حلواني، إلى معايير تنسجم مع تحديات الحاضر، وتؤكد أعمق الأسئلة عن المستقبل الذي يريده اللبنانيون، معتبرة أن انكفاء الأهالي هذا العام يهدف إلى مناشدة المواطنين أن يتبنّوا الصور التي تركوها لهم (صور المفقودين)، ويتبنّوا مطلبهم فتتحول اللجنة إلى حركة مطلبية وطنية تهدف إلى إبعاد كل «مكابر تلطّخت يداه بالدم عن المناصب العامّة».
ووسط الأسئلة والاستفسارات التقليدية التي تحضر في هذه الذكرى السنوية، كانت إحدى الأمهات تترحّم على زملاء لها رحلن قبل معرفة مصير أبنائهن. فيما سألت مريم سعيدي، التي خطف ابنها يوم اقتحمت القوات الاسرائيلية كلية العلوم في الحدث، عن طبقية العدالة في لبنان التي تنشئ لمواطن محكمة دولية، ولا تهتم بالسؤال حتى عن مصير مئات المواطنين الآخرين. وأسفت زميلتها لاستعداد البعض الذهاب إلى حرب أهلية جديدة بحجة معرفة الحقيقة فيما الأمهات يعرفن من خطف أبناءهن ولا يقلن اسمه حفاظاً على الاستقرار.
وكانت اللجنة قد كررت عشرات المرات، من دون جدوى، مطالبتها بالإفراج الفوري عن تقرير هيئة تلقّي الشكاوي، وإعلان 13 نيسان يوماً وطنياً للذاكرة، وإقامة نصب تذكاري لجميع ضحايا الحرب.
وينتهي اللقاء إذ تطل صبية سمراء توزع برنامج نشاطات عنوانه هذه المرة «13 نيسان.. تنذكر تَ ما تنعاد.. ممنوع تنعاد..» هدفه هذه السنة «إطلاق المحكمة الشعبية لإنصاف الضحايا المستمرين للحرب.. لا مصالحة من دون محاسبة..»، يغادر معظم الحاضرين قبل أن تصل إحدى الصحافيات، «الخبر لا يستحق المتابعة» يعلّق أحد الصحافيين متسائلاً «لماذا أتيتِ أصلاً.. هذا مجرد خبر للمنوّعات»...