strong>رندلى جبّور
تعنى جماعة «رسالة حياة» (Mission De Vie) بـ«المتروكين»، ومن بينهم أبناء المسجونين الأجانب. ويلاحظ في هذا المجال غياب برنامج شامل من الدولة لرعاية «المتروكين»، والاكتفاء بدعم «رمزي» للمؤسسات التي تهتم بها

من يهتم بأبناء الأجانب الذين يدخلون السجن في لبنان؟ سؤال تبحث «الأخبار» عن إجابة عنه، بعد طرح سؤال عن مصير الأطفال حديثي الولادة المتروكين في الشوارع، في تحقيق نشر بتاريخ 3/4/2007. جزء من الإجابة يأتي من جماعة «رسالة حياة» التي تفتح «بيتاً» يضم أطفال الأجانب المسجونين، إلى جانب غيرهم من «المتروكين».
فالجماعة تضع لـ«البيوت» التابعة لها في أنطلياس تعريفاً يفيد بأن كلاً منها هو «بيت استقبال كل إنسان متروك في حالة طارئة ومحروم من الاهتمام، من دون تمييز في الدين أو اللون أو العرق أو الجنسية». ويظهر هذا التعريف بوضوح عند زيارة «بيت الأطفال»، حيث تجد مجموعة من الصغار، يختلفون بلون البشرة ويلعبون بفرح معاً. وهم، حسب أحد متطوعي الجماعة، من الكونغو والسودان وسريلانكا وإثيوبيا والعراق وسوريا. أسباب وجودهم في «رسالة حياة» تتشابه في كثير من النواحي، فغالبية أهلهم لا يحملون إقامة في لبنان. أحدهم، أوقفته القوى الأمنية مع والده قبل أن ينتقل إلى «بيت الأطفال»، وآخر تركته والدته في المنزل وتوجهت إلى عملها فتعرّضت لحادث ونقلت إلى المستشفى ومنها إلى السجن بعدما ثبت أنها من دون إقامة، وظل الطفل الذي لا يزيد عمره على السنتين، 72 ساعة وحيداً، قبل أن يصبح «البيت» منزلاً له. أما إيفا، فوجدت تحتضر في الشارع بسبب مرض ناتج من سوء التغذية، وهي اليوم تلعب وتضحك وتتعلّم.
وتخبرنا متطوعة في الجماعة أن أحد أطفال «البيت» ولد على يد متطوع في الشارع أثناء قيامه بجولة في الأحياء الفقيرة، حيث رأى امرأة تضع مولوداً تحت أحد الجسور، ولم تكن معها أي أوراق ثبوتية، فاتصل بطبيب توجّه إلى المكان وتمّت الولادة فتسلمت «رسالة حياة» الطفل، وهي تساعد أمه التي يزورها ابنها مرة كل أسبوعين.
الحالات كثيرة ومتشعبة، والنتيجة واحدة: منزل يؤويهم وأشخاص يهتمون بهم بعدما رمتهم الحياة في الشارع أو في فوهة الفقر والعوز والمرض. تراهم يلعبون بفرح، لكن سرعان ما يبدد أحد الأطفال هذا الانطباع بقوله: «يا ريت فيّي عيش دايماً مع الماما».
على بعد عدة كيلومترات، وفي «بيت الاستقبال»، مسنون يتابعون برنامجاً تلفزيونياً. إحداهم تحضّر طعام العشاء في المطبخ، ومتطوعون يساعدون مريضاً لا يمكنه تناول الطعام بمفرده، وآخرون يجهّزون الأسرّة، ومربٍّ يشرح دروساً للشباب أمام الكومبيوتر.
تبدو الحياة للوهلة الأولى هنيئة، فيما يطرح التعمّق بالحالات علامات استفهام كثيرة. فسميّة مثلاً، انتقلت إلى «بيت رسالة حياة» بعدما توفي زوجها الفقير منذ ثلاث سنوات وهي فقدت أولادها خلال الحرب الأهلية، وسافر ذووها إلى حيث لا تدري، فوجدت نفسها بلا عائلة ولا منزل ولا عمل.
أما «مطرب الرسالة» فقد أصيب بمرض في قلبه بعدما تخلى عنه أقرباؤه وهو غير متأهل، واضطر لترك عمله بسبب المرض، وبات بلا عائلة وبلا مال لشراء الدواء ويقول: «لولا جيت سكنت هون كنت متت من زمان».
في «رسالة حياة» برامج متنوعة وخاصة بالفئات الثلاث: الأطفال وعددهم 20 والشباب (25) والمسنون (25).
يتوجه الأطفال إلى المدارس والشباب إلى الأعمال والمسنون يمارسون نشاطات داخل المركز. أما تمويل الجماعة فهو في جزء صغير منه، «لا يكفي حتى للحاجات الأساسية»، من وزارة الشؤون الاجتماعية التي وقّعت عقداً مع «الرسالة»، والباقي «الله بدبّر» كما يشير أحد المتطوعين الكثر. فهذه الجماعة أخذت طابعاً مؤسساتياً كنسياً بعدما ثبّت راعي أبرشية أنطلياس للموارنة المطران يوسف بشارة قوانين الجماعة «التي تنذر نذور العفة والفقر والطاعة أمامه».
فكرة «رسالة حياة» انطلقت في عام 1994 لكنها تأسست في شكل فعلي ومنظّم في عام 2001 وهي تضمّ اليوم عشرين متطوعاً ومتطوعة «لخدمة الإنسان المتروك».
من الموت إلى الحياة انتقل أشخاص عاكستهم الظروف وزادت الدولة الغائبة على همومهم هموماً إضافية بسبب غياب برامج الرعاية الاجتماعية والصحية والتنموية وغياب الإنماء المتوازن وإغفال المسؤولين لطبقة تبعد طبقات عنهم، لكن المبادرات الخاصة تسهم في معالجة جزء من الأوضاع. ويبقى السؤال: إلى أي مدى تستطيع الجمعيات الخاصة حل المشكلات الاجتماعية المعقدة إذا لم تدخل ضمن حل وطني شامل؟