عمر نشابة
أمس كان موعد جلسة محاكمة متهمين لبنانيين بمحاولة تفجير محطة سكك حديد في ألمانيا الصيف الماضي. وكان المتهمون يخططون لتفجير ملعب لكرة القدم قبل ذلك كما نشرت الصحف الألمانية. ولو نجحت خططهم الدموية لتمكّنوا من قتل مئات وربّما آلاف الناس ولكانت الجريمة أشد خطورة من تفجيرات مدريد أو لندن أو حتى هجمات 11 أيلول 2001 بحيث إن انفجاراً كبيراً في ملعب كرة قدم مكتظّ بجمهور غفير قد يؤدّي الى سقوط ضعف عدد قتلى 11 أيلول أو أكثر.
وتتولى المحكمة اللبنانية هذه القضية الخطيرة عالمياً لكون السلطات المحلية هي التي قبضت على أربعة من المتهمين في لبنان. ويتهافت الصحافيون الأجانب لتغطية جلسات المحكمة ونقل الخبر الى العالم. وربّما كان من حسن حظّنا نحن اللبنانيين منع التصوير في القاعة لأن أقلّ ما يُقال في شكلها الداخلي هو أنها «بهدلة»! فلنبدأ بالمدخل في الطابق الأرضي حيث تتراكم أكياس نفايات في عتمة زاوية من زوايا البهو. وعند الوصول الى القاعة في الطابق الثاني فإن أول ما يلفت النظر هو سقفها الذي سقطت منه عشرات قطع «الفو بلافون» وأحدث ذلك ثقباً كبيراً. ولا يمكن التغاضي عن «الستورات» المحطّمة على النوافذ وآثار النشّ المنتشرة على كل الجدران...
«ممنوع التصوير» قال أحد العناصر الأمنية... شاهدت رجلاً يصوّر بهاتفه الخلوي دون ملاحظة القاضي، فالتفتُ نحو الحارس لأسأله فقال «هيدا من المباحث». وكأن لـ«المباحث» سلطة في المحكمة... ولمَ لا في دولة تقدّم الضابط على القاضي، والتحقيق على المحاكمة، والوزير على الوزارة، ومكاتب الوزارة على قصر العدل!
لكن كلّ من يراقب القضاة عن قرب يلاحظ أنهم يبذلون جهداً كبيراً للحفاظ على مكانة المحكمة رغم «بهدلة» المكان. فالقضاة الأربعة كانوا يرتدون أثوابهم السوداء الطويلة المكوية النظيفة وعليها الحرير الأحمر والأبيض الناصع. وبغضّ النظر عن بشاعة وخطورة الجريمة التي اتهم الموقوفون بارتكابها، حافظ القاضي أبو عرّاج على احترامه للمشاعر الحميمة وعلى طيبة القلب فسمح لعائلات المتهمين بمعانقتهم في قاعة المحكمة بينما تحرمهم إجراءات الحراسة ذلك طوال مدّة سجنهم.
القاضي أبو عرّاج يتقاعد في حزيران الآتي... من يملأ الفراغ الذي سيتركه؟