اعداد:غسان سعودذئاب الحرب تكشّر عن أنيابها لكن «الاتحاد» يمنع رجعتها... بإذن الله

قبل قرابة سنتين، تلاقى الناشطون في اتحاد الشباب الديموقراطي، واجتمعوا في مكتبهم بعيداً من صخب جمهوريْ 8 و14 آذار. أجمعوا على أن التركيبة نفسها تكرر مغامراتها، وزعماء الطائفية أنفسهم يعتمدون الاستزلام نفسه. يومها، شعر الشبان، وكان عددهم لا يتجاوز ثلاثين، أن الحرب تطل على اللبنانيين مجدداً، الأمر الذي بدا غريباً لجمهور الساحتين الذي كان مندفعاً في اتجاه آمال كبيرة وطموحات.
يستعيد أحد ناشطي الاتحاد المشهد قبل سنتين فيقول إنهم شعروا بأن لبنانيين كثراً لم يتعلّموا من مآسي حرب الـ75. وزادت الأمور سوءاً، بتعدد التدخلات الأجنبية، وازداد التجييش الطائفي وانقسام المجتمع. وانعكست هذه جميعها فرزاً وسط الشباب ينحو في اتجاه التصادم. الأمر الذي زاد من حماسة شباب «الاتحاد» في إيجاد مساحة أخرى تنطلق من الإيمان بوطن ديموقراطي علماني. فتحرك الشباب في مختلف الاتجاهات، وشاركوا في حملتي «كفى» للاغتيالات السياسية و«لا» للوصاية الأميركية. لكن هذه التجارب لم تدم طويلاً وسرعان ما كانت تنحرف عن أهدافها. وتتحول إلى مظهر إضافي للانقسام السياسي.
يشير عربي العنداري أحد ناشطي الاتحاد إلى احتدام النقاش في الاتحاد عشية قرارهم النزول إلى الشارع، وبحثهم بشغف عن أفضل وسيلة لتنفيذ نشاط مؤثر بأسلوب بسيط ومضمون وواضح. وهكذا انطلقت حملة «شباب خائف على وطن» مدخلاً لمجموعة نشاطات مركزية ومناطقية تدعو الشباب بمختلف انتماءاتهم السياسية والمذهبية للتلاقي والحوار وتشكيل نموذج يقتدي به السياسيون المنقسمون بين الساحات.
بداية، أعلن «شباب خائف على وطن» انسحابهم من الطوائف والساحات تعبيراً عن رفضهم الاقتتال الدائم الذي أنتجه ملوك الطوائف «باسم سيادة وحرية واستقلال الوطن».
ومن السوديكو المحاذية لتقاطع بشارة الخوري وطريق الشام، حيث اعتصم الشباب، بدأوا بالتنقل. وكان لقاء المتحف هو الأبرز، حيث أقيم نهار طويل بعنوان «مكانهم هنا» في رسالة مفادها أن «العقلية الطائفية والتبعية والإقطاعية والقبلية وأربابها مكانهم في المتحف الوطني كجزء من التاريخ نتعلم منهم ونبني مستقبلنا من دونهم».
وفي 13 نسيان 2005، «تنذكر لما تنعاد»، وجد الشباب لأنفسهم باصاً تنقلوا على متنه رافعين مصطلحات الحرب القديمة الجديدة مثل «خطوط تماس»، «تمترس» وغيرها. ثم نظموا عدة اعتصامات رمزية في عاليه، صاليما، عدلون، أنصارية، طرابلس وغيرها، رافعين شعارات: إذا اتفقت الطوائف بيكون على حساب الوطن، وإذا اختلفت... راحت عليه، وقفوا، خذوا نفس، فكروا لوين رايحين، لا تسألني عن ديني مديون وعايف ديني، تذكروا... الاستقواء بالخارج والمترسة خلف الطوائف لوين وصلونا.
بعدها نظم شباب الاتحاد حملة أخرى بعنوان «كلنا للوطن والوطن إلنا كلنا». لكن سرعان ما أوقفوها بسبب العدوان الاسرائيلي، واضطرارهم إلى تحويل كل جهودهم صوب «دعم الصمود الشعبي». ومع انتهاء العدوان عادوا لينشغلوا بتسليط الضوء على مشكلة النظام الطائفي. ونظموا عدة تحركات تعترض على الذهنية الطائفية وتبرز أن المشاكل التي يواجهها الشباب اللبناني هي نفسها بغض النظر عن منطقتهم أو مذهبهم. وحملت هذه التحركات عنوان: «همومنا مشتركة، مطالبنا مشتركة، فلنوحد النضال».
وهكذا، يقول حسان، أحد ناشطي الاتحاد إن هذا النوع من النشاطات قد لا يوقف الحرب. لكن لا بد من السعي لتشكيل جسر بين التنظيمات «المتناحرة» وتقريب وجهات النظر بين شباب هذه التنظيمات وتشجيعهم على لقاء الآخر والتعرف به. فيما ترى هبة أن الاتحاد نجح في التأسيس لمجموعات ضغط شبابية. واليوم بات يمكن الكلام عن تبلور المخطط لجمع كل مناهضي الحرب في مجموعات توعية ومجموعات ضغط في وجه الحرب والانقسام.



حين يغني الاختلاف لبنان إذا «تدوزنت» مكونات الهويةيقول أحد مدربي المركز، إن الركيزة الأساسية في عملهم هي في ضرورة احداث تغيير حقيقي في ذهنية اللبنانيين بحيث يجد كل من يحاول «تقليبهم» على بعضهم البعض نفسه غريباً وسطهم.
والنشاط الأبرز في هذا السياق خلال السنتين الماضيتين كان برنامج «مشروع المواطنية» الذي، بحسب رولا مخايل إحدى مؤسسي المركز، وفر للشبان والشابات فرصة اختبار عمل ميداني في مجال التربية المدنية.
وحوّل المشروع مجموعة كبيرة من تلامذة المدارس الى صحافيين صغار اختاروا قضية محلية عامة، تبنوها، دافعوا عن التزامهم بها، بحثوا عن المعلومات في شأنها، قابلوا المسؤولين عن حلها، درسوا السياسة العامة الخاصة بها، انتقدوها حين اقتضى الامر، زادوا عليها، وفتشوا عن بدائل اخرى لتحسين ظروف حياتهم. فاقترحوا «سياسات عامة» بديلة، وفكروا ملياً بخطط عمل لتنفيذ مقترحاتهم وحشد التأييد لها. وتقول مخايل إن المشروع دفع التلامذة، الأساتذة، الادارات المدرسية، والمتابعين من المركز إلى الوقوف جميعاً امام مواطنيتهم، ليتعرفوا أكثر إلى تركيبتها. ويميّزوا بين انتماءاتهم المتعددة التي تكوّن هويتهم، وتجعل من كل واحد منهم مختلفاً عن الآخر.
وتعلم فريق العمل، الذي اتسع لأكثر من ألفي مواطن، بحسب مخايل، كيف يغني اختلافهم لبنان، وكيف «يدوزنون» مكوّنات هويتهم، ولا يسمحون بأن يجتاح مكوّن واحد كل هويتهم فيتقوقعوا وينغلقوا. ووضحت أمامهم معالم الخط الفاصل بين الخاص والعام، وكيف يخرجون من الانتماء الضيق الى الانتماء الاوسع، الى القضايا والمساحات العامة المشتركة التي تبني المشترك بينهم كمواطنين.
وفي ذكرى الحرب اللبنانية، يستعيد أحد مدربي المركز مشهد اللقاءات الأولى مع التلامذة وطلاب الجامعات، حين كانت الصور نفسها تتكرر. فيؤكد المشاركون انفتاحهم بعض على بعض ورفضهم للمعوقات الوهمية، واتفاقهم جميعاً على أن كلمة «ضد» تعني نقيض الشيء، واستحالة التقاء الضدين. لكن، بعد عدة دقائق فقط، يجيب الشباب بعفوية عن سؤال ـــ كمين، مؤكدين أن ضد الرجل في نظرهم هو المرأة، وضد الغني هو الفقير، وضد المسيحي هو المسلم، وضد اللبناني هو السوري، وضد الغربية هو الشرقية. تماماً كما هو الفرع الأول في الجامعة اللبنانية ضد الفرع الثاني. وهذه جميعها تختصر ثقافة الحرب من دون أي تغيير. وتؤكد الأضداد المذكورة جهل الآخر، وعدم تقبله أو الرغبة في العيش معه. وهنا يجد المركز لبَّ المشكلة، والسبب وراء تكرار ظهور ملامح الحرب الأهلية كلما «دق الكوز بالجرة». ويهدف المركز بحسب مسؤوليه إلى التربية على المواطنية، وعدم التمييز، ومحاولة إيصال ثقافة الحقوق إلى جميع اللبنانيين. ويرى أحد المدربين أن المدرسة هي المكان الأساسي والأفضل ربما، لإيصال هذه الرسالة. الأمر الذي دفعهم إلى بدء مشروعهم مع قرابة 30 مدرسة من مختلف المناطق اللبنانية. وفهم المشاركون في نهايته معنى الرشوة والمحسوبيات، و«زبائنية السلطة في علاقتها مع المواطنين». واختبروا عدم المساواة بين المناطق. ولمسوا كيف تتغلغل الطائفية في القضايا العامة وتعوق إيجاد حلول. وهكذا، يقول المركز إنه بدأ مقاومة الحرب على طريقته، مقدماً للجيل الجديد مجالاً آخر للتعبير عن رأيه ومشاعره، وفرصة للتعرف إلى الآخر قبل الاندفاع صوب قتاله.