اعداد: غسان سعود
في 15 تشرين الثاني 1975، بدأت حملة «مناهضة الحرب» بتظاهرة عفوية دعا إليها الإعلامي شريف الأخوي عبر أثير تلفزيون لبنان. ثم نظمت حركة «النساء ضد الحرب» عام 1985 مسيرتي احتجاج من المتحف باتجاه القصر الجمهوري، ومجلس النواب، قبل أن تنظم مجموعة من مُعوَّقي الحرب مسيرة على العكازات والكراسي المتنقلة من طرابلس إلى بيروت. وفي تموز 1986 نجح الاتحاد العمالي بتنفيذ أول إضراب عام يشمل كل المناطق. وبلغت «حركة السلام» التي دعت إليها النقابات ذروتها في تشرين الثاني عام 1987 حين انطلقت تظاهرات ضخمة كان أبرزها في بيروت حيث التقى على «معبر المتحف» قرابة ستين ألف متظاهر مرددين شعارات تدعو إلى الوحدة بين «الشرقية والغربية».مناهضو الحرب كانوا بالمرصاد لشبح الحرب حين أطل منذ أسابيع، وبدوا أكثر جهوزية للمواجهة مما كانوا عليه عام 1975





المعوقون ينشطون ضد الحرب لئلا تزيد أعدادهم



سعى اتحاد المقعدين اللبنانيين منذ تأسس إلى إظهار موقف المجتمع المدني من الحرب الأهلية. ونظم بالتعاون مع عدة جمعيات عدداً كبيراً من النشاطات المعترضة على الحرب والاقتتال الداخلي من جهة. وتقول سيلفانا اللقيس، رئيسة اتحاد المقعدين إن عملهم الدؤوب على مدى ربع قرن ركز على ضرورة وعي اللبنانيين لأهمية التنوع والاختلاف، من منطلق أن التنوع يفترض أن يكون حافزاً نحو التكامل والرقي بالمجتمع اللبناني، لا أن يكون دافعاً نحو الخراب والدمار الناتج من إثارة الغرائز والنعرات بين المذاهب، الطوائف، والفئات الاجتماعية المختلفة.
وبمواجهة الحرب، كان الاتحاد سباقاً في تجاوز الحواجز الفاصلة بين البيروتين (الشرقية والغربية) أثناء الحرب الأهلية. وجنباً إلى جنب الأب غريغوار حداد، وبمشاركة جمعيات المكفوفين، وجمعية العمل الاجتماعي، انطلق الاتحاد في عمله المطلبي مرتكزاً على حقيقة أن تخطي المعوقين لانتماءاتهم الطائفية والحزبية يدفع باتجاه إسقاط التقسيم الوهمي بين اللبنانيين. وترى اللقيس أن انطلاقتهم في عزِّ الحرب اللبنانية، من وسط الشوارع والزواريب والمحاور والمتاريس المتناحرة، لم يمنعهم من تأسيس مجموعة ضغط معارضة للحرب. والتوجه بغضب تارة نحو المتقاتلين على خطوط التماس حاملين إليهم وروداً بيضاء رمزاً للسلام كما حصل عامي 1984 و1985، وطوراً نحو المجتمع المدني اللبناني طالبين منه التوقيع على عرائض ميثاق السلام عام 1984 ولا للحرب عام 1985، قبل أن يدشنوا ظاهرة المسيرات والتظاهرات المنددة بالحرب الأهلية والاقتتال الداخلي كما حصل عام 1985 يوم انطلقت من أمام مبنى الريفييرا سنتر مسيرة اتحاد المقعدين اللبنانيين نحو اللجنة الأمنية في منطقة المتحف، بالتنسيق مع السيدة لور مغيزل والجمعيات اللاعنفية. وكانت الفكرة الرئيسية أن يحمل الاتحاديون من كل المناطق زنبقة بيضاء للمتقاتلين، رمزاً للسلام. لكن بعد دقائق قليلة من انتهاء المسيرة اندلعت الشرارة الأولى لما عرف بمعركة العلم، وحوصر الاتحاديون في مكتبهم ثلاثة أيام قضوها يخططون للمسيرة الثانية الأكبر في تاريخ المعوقين اللبنانيين حين اجتمعوا من حلبا شمالاً حتى صور جنوباً. وسميت مسيرة السلام الكبرى، قطع خلالها المتظاهرون قرابة 200 كلم من الحواجز والأحزاب والفصائل والمنظمات المتناحرة، حاملة الأمل بلبنان أفضل.
وفي ظل عودة شبح التقاتل الداخلي، ترى اللقيس أن النعرات المذهبية والطائفية عادت لتطل برأسها القذر من جديد. كأن المعنيين لم يستفيدوا من دروس الماضي، الأمر الذي يفرض على المواطن التحرك وعدم الوقوف متفرجاً حيال ما يحصل. والمعوقون، بحسبها، هم أكثر الناس دراية بما يمكن أن ينتجه الاقتتال والتناحر. وترفض اللقيس تساهل البعض في احتمال تحول «شبابنا وشيبنا من جديد إلى أشلاء ومشاريع شهداء زواريب وجرحى حرب قذرة أخرى». وتوضح أن الاتحاد يصدر منشورات إعلامية تحذر من تجدد الحرب، فيما يجمع ناشطوه تواقيع المواطنين المعترضين على التقاتل. وسيعمد «الاتحاديون المتطوعون إلى نشر حواجز محبة في مختلف مناطق وجودهم (صور، صيدا، النبطية، مشغرة، بر الياس، بعلبك، الفاكهة، بيروت، وجبيل) وتوزيع المنشورات. وتنهي اللقيس كلامها بالتأكيد أن المعوقين هم أكثر الملمين بآثار الاقتتال، مشيرة إلى أنها تهيب بأبناء المجتمع المدني اللبناني «أن يقفوا معنا ضد الحرب والاقتتال كلٌّ في موقعه، وكلٌّ وفق قدراته، لكي نحول دون إعادة عقارب دورة الحياة إلى الوراء».
من جهة أخرى، يعمل «الاتحاد» اليوم لانتزاع حقوق المعوقين كما أقرتها القوانين اللبنانية لتكريس اندماج المعوقين في مجتمعهم. ويكثف الناشطون متابعتهم للمعوقين داخل منازلهم لتعزيز قدرات المعوقين داخل الأسرة ودفعهم للاندماج في مجتمعهم. وعلى المستوى الجماعي ينظم الاتحاد شهرياً حلقات نقاش، نشاطات اجتماعية ثقافية وترفيهية، مخيمات تدريبية، وورش عمل. غالباً ما تنتهي جميعها بتأكيد أن ارتفاع عدد المصابين بالإعاقة الدائمة هو نتيجة حتمية للحرب.
  • (اتحاد المقعدين اللبنانيين)



    اتحاد المقعدين

    اتحاد المقعدين اللبنانيين منظمة غير حكومية تأسس عام 1981 تعمل مع المعوقين ومن أجلهم. وللاتحاد فروع في مختلف المناطق اللبنانية. وينشط من أجل تعزيز مشاركة المعوقين في عملية صنع القرار، وقد أثمرت تحركاته تغييراً في مقاربة الحكومة لقضايا الإعاقة. ويسعى الاتحاد لتحسين أوضاع المعوقين بعد الحرب المدمرة الأخيرة، عبر عدة برامج تنموية، معنوية، واقتصادية.
    الموقع الإلكتروني للاتحاد: www.lphu.org




    «نحو المواطنية» لا «الوطنية» التي سئمها اللبنانيون
    لكن غالباً ما تبدو هذه التهم غير منطقية. خصوصاً إذا كانت جمعية «نحو المواطنية» هي النموذج. هنا، لا شيء يضاهي إشراقة وجه سحر فرنجية وهي تبتسم للمتطوعين في الجمعية والضيوف وتخبرهم عن آخر نشاطات الجمعية. وتشبه فرنجية معظم الناشطات اللواتي يندفعن صوب العمل الاجتماعي لأسباب عدة بينـــــــــها القلق من النتائج المأساوية التي قد يُرتبها العــــــــمل السياسي. وهكذا، رغم سعي الأحزاب السياسية في الجامعة اللبنانية ثم في الجامعة اليسوعية لاستقطاب فرنجية نظراً لشخصيتها الاجتماعية وقدرتها على جذب المحيطين بها، اختارت الصبية الشمالية أن تكون بمكان آخر يطغى فيه هم بناء مواطنية لبنانية كما هي الحال في معظم دول العالم. فاطلعت على تجارب عدة جمعيات فاعلة في المجتمع المدني اللبناني. قبل أن تقرر وبعض زملائها تأسيس جمعية جديدة تتسع لطموحاتهم وتشبههم. وهكذا ولدت جمعية «نحو المواطنية». جمعية شاركت أخيراً بقوة في حملتي «حلوها» و«أوعا»، بعد أن نظمت خلال السنتين الماضيتين عدة نشاطات كان أبرزها في حانة بمنطقة الجميزة حيث تلتقي منذ شباط 2006 كل يوم اثنين مجموعة من الشبان ليتـــــــــحاوروا.
    تجربة بدأت كرد فعل موازٍ لحوار القادة السياسيين في المجلس النيابي، لكنها سرعان ما اتسعت وتحولت إلى خبر يتجادل بشأنه طلاب جامعيون كثر كل يوم ثلاثاء.
    تستعيد سحر تجربة العام الماضي قبل أن تؤكد نجاحهم بتسجيل خرق في الحياة الطالبية على صعيد الجمود والالتزامات الشبابية المفرطة بخيارات السياسيين. وتشير إلى لمسهم إيجابية في التعاطي حتى مع بعض المسؤولين السياسيين. أما زميلها عماد عطا الله فيقول إن معظم الموازين قد انقلبت رأساً على عقب، أو عقباً على رأس. ولم يعد أحد يكترث لضياع المعايير. ويقول عطا الله إن غياب البندقية وإطلالة سوليدير المشرقة أشبه بطلاء الحائط المثقوب برصاص الماضي. ويرى أن الحرب المتعددة الوجوه ما زالت متجذرة وسط اللبنانيين في ذهنية الكراهية واستغباء الذاكرة الجماعية. ويجزم عطا الله بأن اللبنانيين ملّوا من الحوارات العقيمة والفاشلة التي تنتهي مشاركة المواطن فيها بمجرد مقاطعته التلفزيون. وبصوت واحد يدعو عطا الله وفرنجية الشباب اللبناني إلى تجربة جديدة وحوار بنّاء شبيه بحوار السلم الذي تنظمه الجمعية أسبوعياً. حوار يعالج السلم المدني على أسس المواطنية (دون التطرق الى «الوطنية» التي سئمها اللبنانيون)، حوار «يتفركش» أحياناً هنا ويتلعثم هناك نتيجة عفويته، لكنه يعود ليمضي قدماً بحديث شفاف ومفرح.
    ويوضح الشابان أن الحوار الذي ينظمونه صادق وغير «متشردق» بالولايات المتحدة وفرنسا وإيران وسوريا والسعودية. حوار واعٍ مُكتفٍ بذاته لا يحتاج إلى إمدادات ميليشياوية. وبحماسة، تدعو فرنجية الشباب اللبناني إلى مشاركتهم في الحوار غير المشروط، حيث «الحضور مجاني والحكي ببلاش». وهكذا، تساهم جمعية «نحو المواطنية» بمواجهة النزاعات الداخلية في لبنان. فإلى جانب عدة مشاريع في مراقبة الشأن العام ورصد منظم لسجل النواب في البرلمان وحملات التوعية في قانون الانتخاب وغيره، تفتخر الجمعية بإقامة أكثر من 40 حلقة موضوعية، استضافت خلالها عشرات الشخصيات والمؤسسات، وكان لها صدى عميق لدى أكثر من 500 مشارك. وينهي الشابان كلامهما بالتأكيد أن حوار «نحو المواطنية» لا يدّعي امتلاك عصا سحرية للحلول، لكنه «محاولة ناجحة وثاقبة لفهم موقع الفرد والذات من الحرب والسلم والمواطنية. حوارٌ يتجدد كل مساء اثنين في نادي 43 في الجميزة، وقريباً في مواقع مختلفة من بيروت وضواحيها».
    (نحو المواطنية)


    ذاكرة جماعية




    ركَّز ضيف «نحو المواطنية» أنطوان مسرة خلال الحوار معه في قضية الذاكرة الجماعية على ضرورة توحيد كتاب التاريخ كي يستفيد اللبنانيون من تجارب الحرب الأليمة ولتفادي تكرار هذه المحن في المستقبل. وأكد مسرة على ضرورة عدم حصر التاريخ بخطابات. فيما شدد الحضور على أهمية تأهيل المدرسين ليتمكنوا من تحصين النفوس وتنشئتها على الذاكرة من أجل تجنب الحرب.