أنطوان سعد
تنشط المساعي على خط بكركي ـــــ بعبدا للتمهيد لزيارة يقوم بها رئيس الجمهورية إميل لحود إلى الصرح البطريركي للاجتماع بالبطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير، عشية انطلاق موسم الانتخابات الرئاسية. وتُبذل الجهود لإقناع الرئيس لحود بالتشاور مع سيد بكركي والتنسيق معه، في هذه الفترة على الأقل، حتى لا تأتي أية خطوة متوقعة منه في نهاية عهده بعيدة كل البعد عن الجو المسيحي العام. فسيّد بعبدا لا تربطه حالياً علاقات جيدة بأي طرف مسيحي فاعل، وحتى رئيس «تكتل التغيير الإصلاح» العماد ميشال عون الذي يُفترض أن سياسته في هذه الفترة تتقاطع مع سياسة الرئيس لحود وتحالفاته، لا يزوره ولا يتشاور ولا ينسق معه في القضايا المطروحة على الساحة اللبنانية في هذه المرحلة التي تشهد تأزماً غير مسبوق.
وتشير المعلومات إلى أن فكرة زيارة رئيس الجمهورية إلى بكركي لا تزال حتى الساعة صعبة التحقيق وإن كانت تبدو غير مستحيلة لمن يسعون من أجل تحقيقها، ذلك أن لحود لا يزال مستاءً من التمنّي الذي وجهه إليه البطريرك صفير بواسطة النائب البطريركي العام المطران رولان أبو جودة قبل مدة للتفكير في تقديم استقالته. وقد دلّ إلى هذا الاستياء غياب رئيس الجمهورية عن قداس عيد الفصح الأحد الماضي بعدما كان قد غاب عن قداس الميلاد نهاية العام الماضي. وتعزو الأوساط القريبة منه أسباب الغياب إلى «عزة نفس الرئيس وعدم رغبته في إزعاج السيد البطريرك الذي لا يبدو أنه متحمس جداً لمجيئه»، فيما ترى أوساط قريبة من بكركي أن ليس ثمة داعٍ لأن يشعر الرئيس بالاستياء أو أن يتخوف من طريقة استقبال البطريرك الماروني له إذا أراد الحضور إلى بكركي للمشاركة في مناسبة دينية أو للاجتماع بسيد الصرح.
وتضيف هذه الأوساط: «للتذكير، ليس البطريرك صفير من لا يعترف بشرعية الرئيس لحود أو يقاطعه أو يخجل من أن يجتمع به علناً. وهو لم ينقطع عن إيفاد ممثلين عنه الى بعبدا في كل مرة دعت الحاجة إلى ذلك، ولا أعطى توصيات بمقاطعة رئيس الجمهورية كما سبق لغيره أن فعل عندما كان لا يتوافق في الموقف مع البطريركية المارونية. وقبل أسابيع دُعي الرئيس لحود إلى حضور قداس عيد مار مارون، ولم يكن بالإمكان دعوته لو كان سيد بكركي معارضاً لها. فالكنيسة المارونية نظامها بطريركي أي أبوي، والبطريرك يمارس سلطة الأب وتوجيهاته ملزمة لجميع المؤسسات الكنسية وحتى للمؤسسات العلمانية التي تدور في فلك الكنيسة، فلو كان لدى سيد بكركي توجه بمقاطعة الرئيس لحود لما كان من الممكن رؤية العديد من الفاعليات الكنسية والمارونية في بعبدا».
وعلى رغم كل ما يُقال، وعلى رغم موقفه المُحبّذ لاستقالة الرئيس لحود، لا يزال البطريرك صفير عند موقفه بوجوب عدم مقاطعة رئيس الجمهورية وعدم إسقاطه في الشارع. ولا يزال يتعامل معه بالطريقة نفسها التي تعامل معه بها غداة تمديد ولايته الذي كان أبرز معارضيه على الإطلاق. غير أنه ليس مستعداً لأن يدفع المسيحيون وموقع الرئاسة ثمن تغطية وجود الرئيس لحود في قصر بعبدا في وقت لا يبدو فيه اللبنانيون راغبين في ذلك. فحتى رموز المعارضة الذين يدافع عنهم رئيس الجمهورية بقوة لا يظهرون تمسّكهم ببقائه، فهم يتداولون في الانتخابات الرئاسية المبكرة ويقابلون المسؤولين الدوليين الذين يقاطعون رئيس الجمهورية من دون مشكلة، ومعظمهم لا يطأ أرض قصر بعبدا.
ما يريده سيد بكركي من رئيس الجمهورية أن يبادر إلى البحث عن حل يخرج البلد من حال الجمود القاتلة وإلى اقتراح متكامل يحمل في طياته مشروعاً واضحاً لحل الأزمة القائمة، يقوم في شكل خاص على تسهيل أمر انتخاب خلف له. أما ما لا يريده منه فهو الاستسلام لموجة التأزم والاحتقان والانجرار فيها وصولاً إلى تعيين حكومة ثانية عشية نهاية ولايته، إذ إن تجربة عام 1988 لا تزال ماثلة أمام عينيه بما خلفته من مآس ودمار، وهو ليس على استعداد للقبول بتكرارها. ليس البطريرك صفير رجل سياسة يوالي أو يعارض رئيس الجمهورية، لكنه مرجعية وطنية وروحية حريصة على لبنان وعلى رئاسة الجمهورية وكرامة الشخص الذي يشغل هذا المنصب، وهو يأمل أن يتحول الرئيس لحود من نقطة خلاف يتخاصم حولها اللبنانيون إلى عنصر جامع يجترح الحل الذي يعجز الوسطاء المحليون والإقليميون عن إيجاده.