إبراهيم عوض
جنبلاط سأل عن العراقيين الذين «يدخلهم»السنيورةوجعجع «منح» الأمن العام صلاحيات الجمارك


لم ترُق رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الجولة الميدانية التي نظمتها مديرية التوجيه في الجيش اللبناني لوسائل الإعلام اللبنانية والعربية والدولية، نهاية الشهر الماضي، على طول خط انتشار وحدات من الجيش على الحدود البرية مع سوريا في البقاع الشمالي، والتي أظهرت بالعين المجردة استحالة تهريب الأسلحة وغيرها، وهو الأمر الذي أكده مدير التوجيه في الجيش العميد الركن صالح الحاج سليمان بقوله: «إن الوجود العسكري اللبناني على الحدود مع سوريا، وقوامه ثمانية آلاف جندي، لم يضبط أي أسلحة، وكذلك قوات الأمم المتحدة في المياه الإقليمية، التي أفادت بأنها لم تضبط عمليات تهريب أيضاً». ورأى في كلام بعض القوى السياسية عن حصول عمليات تهريب للأسلحة من سوريا واتهام الجيش بالتغاضي عن ضبطها وتسهيل مرور بعضها أنه يندرج في إطار «الكلام الكثير، لكن لا أحد يملك الإثبات».
وقد وصف جنبلاط هذه الجولة بـ«المناورة الإعلامية»، غامزاً من قناة الجيش، مصراً على القول بأن عمليات تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان ماضية على قدم وساق، متجاهلاً في الوقت نفسه ما سبق أن صرح به وزير الدفاع إلياس المر، المرضي عنه من فريق الأكثرية، في حديث إلى محطة «ال. بي. سي» الشهر الماضي، إذ قال إن «البرغشة» لا يمكنها أن تمر حيث يوجد الجيش على الحدود مع سوريا.
وما دأب عليه جنبلاط في موضوع تهريب السلاح جعل «مخزن المعلومات» لديه ينبئه بـ«تسلل» أكثر من ثلاث كتائب سورية إلى الضاحية الجنوبية ومناطق عاليه وبحمدون والشويفات، تخفى أفرادها بلباس عمال سوريين على حد قوله، متسائلاً عن سبب إقدام الأمن العام على «تمرير المئات من العراقيين إلى لبنان والهدف من وراء ذلك»، وقد غاب عنه أن مسألة تسهيل دخول العراقيين إنما تتم بتوجيهات من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة نظراً للأوضاع المأساوية التي يعيشها العراق، فيما دعا «حزب الله» رئيس اللقاء الديموقراطي إلى القيام بجولة ميدانية في الضاحية «لالتقاط صور الكتائب المذكورة حيث يعثر عليها».
وعلى خطى جنبلاط، سار حليفه رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في مؤتمره الصحافي الأخير، وإن كان قد استغل الحديث عن تهريب السلاح للتصويب على المدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني في معرض تساؤله عن الأجهزة الأمنية، وتحديداً الأمن العام «الذي يترك شاحنات عديدة وسيارات من الأحجام المختلفة تمر من دون تفتيش»، وقوله بأن «السيد حسن نصر الله يريد هؤلاء (الأمن العام) لكي يبقى يمرر سلاحاً من خلالهم»، ليتبين من خلال هذا الكلام أنه «سيّد» من يقع في المغالطات التي ينسبها إلى غيره، إذ من المعروف أن الجمارك (التابعة لوزارة المالية) لا الأمن العام هي من تتولى عمليات التفتيش والتدقيق بحمولات الآليات والمركبات على الحدود وفي المرافئ، فيما تنحصر مهمة الأمن العام في هذا الإطار بضبط وتنظيم إجراءات السفر من دخول وخروج، والتدقيق في هويات وجوازات سفر الوافدين والمسافرين والتأكد من صلاحياتها، وإذا ما كان أحد حامليها مطلوباً للقضاء أو ملاحقاً بتهمة معينة.
وإذا كانت قيادة الجيش قد آثرت عدم الرد على جنبلاط وغيره، فإن الأصداء الإيجابية للجولة الميدانية، التي أرادها الجيش في البقعة الأصعب للقيام بمهمات المراقبة والضبط، عكستها المشاهدات والانطباعات والتحقيقات التي خرج بها الإعلاميون وتناقلتها وكالات الأنباء، حتى أن صحيفة معروفاً بأنها تعكس رأي الأكثرية نشرت تحقيقها على صفحة كاملة أشادت فيه بجهود الجيش وخرجت بنتيجة مفادها أنه لا يمكن حصول عمليات تهريب في ظل «العين الساهرة» للجيش على الحدود.
هذا وتزامنت مواقف جنبلاط وجعجع مع المناقشات الجارية في مجلس الأمن حول تطبيق القرار الرقم 1701، وجنوح فرنسا إلى اعتماد الرواية الإسرائيلية القائلة باستمرار تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان، ومحاولتها إقناع الدول الأعضاء بالقبول بهذه الرواية للنيل من «حزب الله» وسوريا وإيران معاً، علماً بأن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة نفى بدوره حصول عمليات تهريب سلاح، وإن ضمَّن نفيه رؤية ميتافيزيقية استناداً إلى قاعدة شرعية تقول «إن الله سبحانه وتعالى لم يُر لكنه عُرف بالعقل».
وذكرت المعلومات الواردة من نيويورك أن الورقة اللبنانية التي وجهتها القائمة بالأعمال لدى الأمم المتحدة كارولين زيادة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس مجلس الأمن رفضت المزاعم الإسرائيلية عن تهريب السلاح، وأشارت إلى «أن الجيش اللبناني طلب مراراً من «اليونيفيل» في اجتماعات ثلاثية تبادل المعلومات والدلائل المتوافرة لدى الأمم المتحدة لكي يتسنى التعامل مع الموضوع بشكل أفضل».
وفيما استندت الورقة السورية في ردها على مسألة تهريب السلاح إلى نفي كبار المسؤولين اللبنانيين (رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع) وجود تهريب للسلاح إلى لبنان، وانتقدت تجاهل مشروع البيان الفرنسي لهذا الأمر، حاملة على اعتماد الرواية الإسرائيلية، أبدت أوساط لبنانية متابعة تخوفها من المضي بالبيان الفرنسي من دون تعديل، ورأت فيه تعميقاً للتدهور الحاصل في العلاقات بين لبنان وسوريا، وعودة للتلويح السوري بإغلاق الحدود مع لبنان إذا ما تبين أن بعثة التقصي الدولية المنوي إرسالها لتقويم مراقبة الحدود مع سوريا لا تقتصر مهمتها على التقصي فحسب، بل تتعداه إلى أبعد من ذلك، الأمر الذي تراه دمشق حركة عدائية تجاهها من منطلق أن نشر قوات دولية على حدود أي دولة يعني أنها في نزاع مع الدولة المجاورة. وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قد أعلن صراحة أن سوريا ستلجأ إلى إغلاق حدودها مع لبنان إذا جرى نشر مثل هذه القوات.
وتداركاً لعدم بلوغ الأمور هذا المنحى، سارع الرئيس السنيورة إلى الاستفسار من بان كي مون في اتصال هاتفي أجراه معه ليل الأربعاء الماضي عن «آفاق» مشروع البيان الفرنسي المزمع صدوره، وخاصة في ما يتعلق بموضوع إرسال بعثة التقصي المذكورة. وقد أبلغ المسؤول الدولي محدثه بأن البعثة «تأتي في إطار التعاون بين الأمم المتحدة ولبنان ومهمتها محض فنية وستركز على تقويم الأوضاع على مستوى الحدود وتدرس إمكان تقديم مساعدات فنية للسلطات اللبنانية لتعزيز قدراتها على ضبط الحدود».