شهد لبنان أمس، رزمة واسعة من الأنشطة لمناسبة الذكرى الثانية والثلاثين للحرب الأهلية، ولعل في تنوع الأنشطة وكثافتها وتوزعها على مختلف المناطق اللبنانية مؤشراً غير صحي إلى مدى شعور اللبنانيين بخطورة عودة اندلاع الحرب على خلفية الأزمة السياسية القائمة والحوادث الأمنية التي رافقتها.مجموعة من منظمات المجتمع المدني ذي التوجه الـ 14 آذاري نظمت سلسلة نشاطات، وعرضاً لـ «بوسطة عين الرمانة» في وسط ميدان سباق الخيل. لكن المؤسف هو غياب جمهور 14 آذار. قد تكون تلك إشارة إلى أن هؤلاء الشبّان، مثل غيرهم، ليسوا مقتنعين تماماً بأن الحرب الأهلية غير قادمة. وقد يكون خالد الهبر الأكثر صدقاً في هذه المناسبة، استذكرنا أغنتيه: «لو يعلم الزعماء بأن الحرب القادمة.. قادمة قادمة». الجمهور الأبرز هو وسائل الإعلام التي أتت بمعظمها لتشاهد «البوسطة» وتستمع لبعض المحاربين القدامى يعيدون تكرار تجربتهم التي ملّها الناس خصوصاً أن كتابات بعضهم لا يمكن تشبيهها إلا بالأسلحة التي تعوّدوا حملها. وحدهم، كبار السن الذين جلسوا مقابل شبّان يستذكرون الحرب كانوا صادقين فيما يقولونه، ومنهم من حملوا صور أبنائهم المفقودين. أما الشبان فحديثهم ونقاشهم لا يشبه إلا أحاديث زعمائهم، حرب كلامية شرسة، وتغييب للآخر وإنكار حقه بالوجود.
وللمناسبة، ألقت مروحيات تابعة للجيش اللبناني صباح أمس آلاف القصاصات فوق مختلف المناطق اللبنانية موقعة باسم «لبنانيات من أجل السلم الأهلي» وتتضمن عبارات تدعو إلى الاتعاظ من تجربة الحرب الأهلية التي شهدها لبنان. ومما حملته القصاصات: «قولي لأ للحرب الأهلية، عندك دور تلعبيه» . وفي قصر الأونيسكو، لم يكن مصادفة اختيار «انتظارات الشباب» للثالث عشر من نيسان، فظلال حرب الـ75 ما تزال شاخصة في أذهان شبابٍ لم يختبروها لكنّهم خائفون من عودتها. من هنا، تعمّد «لقاء بيروت» أن ينطلق في الذكرى ليؤكّد أنّ لبنان رسالة حوارٍ وتآخٍ. المنسّق العام في «انتظارات الشباب» الأب مارون عطا الله لفت إلى أنّ ركائز قيام الوطن الحر السيد المستقلّ تقوم على التحرّر من الإيديولوجيات والقوميات والمذاهب والطوائف». بدوره، دعا الفنّان رفيق علي أحمد الشباب إلى الحذر من النظام الطائفي القائم على الحقد والمصالح الشخصيّة، مطالباً إيّاهم بأن يتخلّصوا من «العتّ» السياسي وأن يشقّوا طريقهم بأنفسهم. وأكّد الشاعر طلال حيدر أنّه يختار لبنان على انتمائه الديني، داعياً الشباب إلى التزام القضايا الوطنية ونبذ الطائفية. أمّا رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور زهير شكر، فشدّد على ضرورة صوغ قانون انتخابي يوائم بين القيد الطائفي والقضايا الوطنيّة، معتبراً أنّ الحوار الوطني يكون داخل البرلمان لا في الساحات. ونظّم المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ندوة فكرية بعنوان «13 نيسان ... هل اعتبرنا»، وهي حلقة أولى من الحلقات التي أعدها المجلس لمناسبة انفجار الحرب الأهلية. وتحدث في الندوة رئيس تحرير جريدة «الأنوار» الزميل رفيق خوري فرأى أنّ الأزمة اللبنانية «أخطر من وقعة 13 نيسان». من جهته، رأى المؤرخ والمفكر وجيه كوثراني «أنّ التاريخ يعلمنا الأمثولة وبذلك نتجنب أخطاء الماضي عندما نعرفها في سيرنا المستقبلي». وأقام «تجمع اللجان والروابط الشعبية» ندوة بعنوان «كي لا تتكرر المأساة»، في مركز توفيق طبارة، شارك فيها الوزير السابق بشارة مرهج، ناشر جريدة «السفير» طلال سلمان، رئيس المنتدى القومي العربي محمد المجذوب والسفير السابق عبد الله ابو حبيب.
ورأى سلمان انه «بين المبالغة في تبرئة الذات والمبالغة في إدانة الذات يعيش اللبناني حالة تمزق بين أن يكون القاتل أو يكون القتيل». أما المجذوب فذكّر بوجوب «الحرص على الوحدة الوطنية والتماسك الداخلي». من جهته، قال السفير ابو حبيب: «لا نزال نعيش تأثيرات الحرب حتى الآن من حساسية بين المذاهب المختلفة وفي ما بينها». أما مرهج فرأى أن «الوحدة الوطنية ليست مجموعة الحصص الذي يفرزها الكيان على زعماء الطوائف، بل هي الشعور الواثق لدى مكونات هذا الوطن بأن كل فريق مسؤول عن حقوق غيره مسؤوليته عن حقوقه». وفي إطار حملة «تنذكر ت ما تنعاد... ممنوع تنعاد» أقام «التجمع اليساري من اجل التغيير» في «كلوب تونغا» ندوة حول «الأسباب والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية للحرب» تحدث خلالها الصحافي وسام سعادة والعضو في التيار الوطني الحر جورج حداد وتلاها نقاش مفتوح.
وفي طرابلس، نفّذ المجلس النسائي اللبناني اعتصاماً لمدة خمس دقائق في مقر الرابطة الثقافية تحت عنوان «وقفة من أجل السلام». كما اقام المجلس لقاءً «استنكاراً للحرب والأزمات الاقتصادية والبيئية المنتشرة في العالم» في قاعة «جمعية الرسالة الاجتماعية»، في عاليه.
(الأخبار)